عشنا فترات سابقة كانت تنزعج فيها المرأة من بث مباريات كرة القدم على شاشات التلفزة، حيث كان ينفرد الرجال وقتها بالفرجة ويستحوذون على الشاشة، فتحرم النساء من متابعة ما يطيب لهن من برامج ومسلسلات، خصوصا إذا تزامن موعدها مع موعد المقابلة الكروية.
يحتد الصراع وتنشب خلافات داخل البيت، وينشر الغضب خيوطه على زوايا المنزل، الرجل هنا مصمم على متابعة مباراة كرة القدم، والمرأة هناك بأعصاب متوترة لأنها ستحرم من مشاهدة ما يمتعها على شاشة التلفزة. لا هو مبال بحالها واستيائها، ولا هي راضية عن متابعته مقابلة كرة القدم.
جاء كأس العالم قطر 2022 وقلب الدنيا رأسا على عقب، فالمرأة التي كانت كرة القدم عدوا لها صارت تنافس الرجل في الفرجة والمتابعة وأحيانا يفوت حماسها حماسه، باتت تسبقه لحجز مقعد لها بالمقهى في ظل غياب تعميم نقل المباريات لمشاهدة لقاء المنتخب الوطني بالتحديد ضد خصومه، صار هناك تصالح مع كرة القدم، وحب وانسجام وانتظار لكل موعد متجدد للعب.
سبحان مغير الأحوال !! من كان يقول أن كرة القدم ستتفوق في بسط غوايتها على المرأة ومن ثم جذبها إلى الميدان؟ من كان يتخيل الصورة التي أصبحت عليها علاقة المرأة بكرة القدم والتي انقلبت من نفور وانزعاج إلى قبول وحرص وتشجيع؟
لعلها قوانين الحياة الماكرة التي لا تستقر على وضع وحال واحد، أو لعله الاختناق الشديد الذي بات يحف حياة المرأة من كل جانب فيجبرها على البحث عن متنفسات – أيا كانت هاته المتنفسات – للتعبير عن الذات وطرد الطاقة السلبية واستبدالها بأخرى إيجابية تنشر الفرح في القلب مع كل فوز يتحقق وكل نصر يعلن عنه في نهاية المقابلة.
قابل الرجال تصالح المرأة مع كرة القدم سيما في الظرف الراهن الذي يشهد مباريات كأس العالم ومشاركة الفريق المغربي بردود أفعال مختلفة، منهم من رحب بهن في عالم كرم القدم وفرح بانضمامهن، ووجد في الأمر حلا امشكلة الانزعاج والتذمر من الكرة التي كانت تؤرقهم في البيوت وخارجها، ومنهم من تضايق من وجودهن واعتبره اعتداء على واحدة من خصوصيات الرجل التي لم تكن المرأة في السابق تتقاسمها معه، أو تحشر أنفها معه فيها على حد تعبير بعضهم.
وإذا كان بعض الرجال مسنمر في تركيز الانتباه مع المباريات وطريقة تمرير الكرة بين اللاعبين عبورا إلى تسجيل الأهداف، فإن البعض الآخر لم يعد يستمتع بمشاهدة الكرة مثل ذي قبل، لأن فكره انشغل بحضور النساء بكثافة للملاعب والمقاهي، فشرد ذهنه في طرق تعبيرهن الحماسي، مستخفا بصياح هاته ومستهزئا بولولة تلك وبردات الفعل المتعددة التي ترسلها النساء تشجيعا أو تحذيرا أو صراخا بالفرح، فيلعن اليوم الذي هبت فيه رياح المطالبة بالمساواة بين الجنسين، ويتمنى في أعماقه لو يسن قانون زجري يعيد المرأة لركن المطبخ بيبتها حنى تعود إليه متعة متابعة كرة القدم كما اعتاد.
إن تضارب وجهات النظر المرتبطة بتصالح المرأة مع مباريات كرة القدم ومتابعتها بشغف كبير من طرف عدد هائل من النساء خصوصا المباريات التي يحضر بها المنتخب المغربي لم يكن لها أي تأثير واضح عليهن، ولم يكن لها انعكاس قبيح على واقع المقابلات، بقدر ما رفع حضور المرأة المكثف من حجم التشجيعات والزيادة في الدعم والمساندة وربما كان سببا من أسباب عدة وراء تفوق الكرة المغربية والفريق المغربي بمونديال قطر.
نرجو الله تعالى أن يكون هذا التغيير الحاصل في تعاطي المرأة مع مباريات كرة القدم ذو ثمار جيدة نجنيها في نهاية كأس العالم، ونحن نحصد الكأس لصالح مغربنا فندخل التاريخ من أوسع أبوابه، ونبرهن للعالم أجمع أن أسود الأطلس جديرون باللقب وزئير أسودنا لا بد أن يبلغ أنحاء المعمور كله.