هدمت الأنانية القاتلة بيوتا، وقطعت أرحاما، وأفسدت علاقات، وأنست الإنسان أنه مجرد عابر سبيل بالدنيا وليس بمقيم خالد. أماتت الأنانية القاتلة الحب إلا الحب المفرط للذات، وخنقت رقي الأفعال والسلوك والأحاسيس، وأثمرت آدميين يرون أنفسهم فوق الكل عظماء أجلاء وغيرهم أقزام.
إن أبشع ما ابتليت به أممنا ومجتمعاتنا هو الأنانية القاتلة، وهي داء وصفة قبيحة يتميز بها بعض الأشخاص، فتنأى بهم عن معاني الإنسان النبيل المتواضع، القدير الخلوق، الطيب المحبوب سلوكا ومعاملة.
تحضر الأنانية في طباع كل فرد، غير أنها متى فاقت الحدود وتجاوزت كل الخطوط وبلغت درجات الاعتداء على حق الغير وهضم حقوقه صارت معضلة كبيرة تحتاج لعلاج، فالأناني المفرط في الأنانية يتمرد على كل المحيط حوله، يستبد ويطغى في علاقاته مع الآخرين من منطلق أنه الأفضل والأروع والأجدر بامتلاك كل شيئ جميل ذي منفعة، وترك كل ضار ومؤذ للآخرين في انتشاء وتلذذ بعذابهم وقهرهم.
لعل نبذ الشخص الأناني جدا وتجاوزه وإهمال العناية والاهتمام به كفيل بأن يعود به لحجمه الطبيعي، فيدرك بذلك أن الحياة لم تخلق له وحده ولا وحده استحق العيش، بل الله سبحانه وتعالى قسم الأرزاق وأعطى لكل ذي حق حقه وأمر بألا يتعدى كل عبد من عباده حدود الله في التعامل، وإلا كان ظالما وعُدّ معتديا أثيما.
تغزر الحياة الإجتماعية بصور الأشخاص الأنانيين جدا، الممجدين لأنفسهم دونما سبب، المعظمين لذواتهم دون داع منطقي، المقللين من شأن من يتقاسم معهم الحياة، الرافضين قطعا بأن يوجد على الأرض من هو أرفع مكانة وأجل قدرا.
إن الأنانية القاتلة تدفع بأصحابها إلى الإقبال على الاستحواذ على كل شيئ حولهم بنهم شديد، ومن ثم استغلاله لحساب أنفسهم فقط مع إبعاد الغير في تجريد صارخ لأبسط حقوقهم، فلا يعطون اعتبارا لأحد، ولا ينظرون إلى بقية الخلق إلا نظرة كائنات زائدة لا يليق بها شيء ولا يحق لها حق.
نعم .. بكل هذا الامتهان والازدراء والغلو في حب الذات وتعظيمها يقيّمون الأمور والأنام، فلا يعجبهم العجب ولا يرضيهم حسن وجمال خارج عن دائرتهم أيا بلغت درجاته، لكونهم يعتدون بأنفسهم فقط، وعند أنفسهم اجتمع كل شيء وانحصر والباقي لاقيمة له.
ما أبأسهم !! إن ملكوا بعضا من المال ظنوا أنفسهم قادرين على شراء الكون، فكان منهم التباهي والتعالي ولا تعلو إلا المزابل بحجم القاذورات التي تحتويها.
قبح الله سعي المفرطين في الأنانية، لأنهم لم يعطوا النفس حقها ولا أنصفوا نفوسا مظلومة، ولا هم نشروا الخير والسلام في الأرض بل داسوا على الإنسانية ومعانيها، ولا هم قدروا الإنسان حق قدره واهتدوا إلى عدم احتقاره والمساهمة في قتله روحيا وفكريا ونفسيا …
إن العظمة لله والجلال له سبحانه وتعالى وحده، فهنيئا لمن عرف قدره وأعطى للناس قدرهم، فما تدري نفس أي منزلة تنزل عند رب العالمين كي تستقوي وتتطاوس في الدنيا، فالعبرة في النهاية بدرجة التقوى وليس بالاستعلاء أو بأي مظهر من مظاهر الدنيا الزائفة، وهنيئا لمن فهم الحياة على حقيقتها، فلا ظلم ولاتجبر ولا استعبد الناس ولا استصغر قيمتهم، كل جسد إلى تراب، وكل روح إلى السماء رجوعها ليفصل في أمرها رب الكون جل وعلا بالجنة أو بالنار.