تتساءل أسر كثيرة عن سبب العداء المستشري بين أبنائها، وعن سر كل ذلك الغل والحقد الدفين المتغلغل بالأعماق لدى أفرادها، والذي يتم تصريفه في واقعة ما أو في ظرف من الظروف بشكل مفاجىء، فيستغربون كيف أن الإبن أو الإبنة تجردوا من صفات الحنان والعطف والطيبة سواء في علاقاتهم بإخوتهم أو في علاقتهم بوالديهم، وينسى الوالدان أنهما أصل المعضلة برمتها، ويغفلا أنهما المسؤولان الرئيسيان عن هذه الأوضاع السلبية الشائعة في محيطهم، والتي تجد لها سندا في التفضيل بين الأبناء، وعدم العدل بين الإخوة ماديا وعاطفيا، ولعله بلاء يحسبه الوالدان هينا وهو عند الله عظيم.
عدم العدل بين الأبناء
نهى عنه الدين الإسلامي الحنيف لما يترتب عليه من بث مشاعر سيئة في النفوس بين الإخوة، والذين يتحولون من إخوة أشقاء إلى إخوة أعداء، تحركهم مشاعر البغض والكراهية، فيرى الواحد الذي نال عطاء ماديا كان أو روحيا من والديه دون بقية إخوته أنه صاحب حق وما ناله يستحقه وما إخوته إلا حساد ، بينما يرى الطرف الثاني المحروم أنه ظلم على يدي والديه بأن ميزوا الأول عنه وفضلوه وهو ما حرم شرعا.
بعض الوالدين يتعمدون إتيان مثل هذه التصرفات وهؤلاء حسابهم عسير عند رب العالمين لا محالة، وبعضهم يرتكبونها دون قصد، فإن عادوا وأصلحوا ما أقدموا عليه بجبر الطرف المتضرر و المقصي وقرروا عدم تكرار الأمر المرات القادمة كان فعلهم مستحسنا، أما البعض الآخر الذي يتم تنبيهه لخطورة ظلم الأبناء وعدم التسوية بينهم ولا يقبل التوجيه والإرشاد عنادا وأنانية وتسلطا، فتلك مصيبة عظمى لا شك تجر مصائب أعظم من خلفها.
التفضيل بين الإخوة في الحياة تشتيت للشمل بعد الوفاة
إن أجمل ما يتركه الوالدان بعد وفاتهما إخوة متحابين، إنه أثمن كنز وأنفس ثروة، والتحاب بين الإخوة يبني لبناته الوالدان منذ نشأة الأبناء، حيث لايدعان إبنا يشعر بالإقصاء من شيء جنب إخوته الذين تحت إشرافهما ومسؤوليتهما، إن على مستوى الإنفاق وتوزيع المال أو على مستوى إغداق الحنان والعطف، فكلهم أبناء وكلهم جديرون بنفس المعاملة ونفس الرعاية والعناية، دون تهميش لأحد منهم أو تضييع لحق من حقوقه بين باقي إخوته.
لا يشتكين أب أو أم سوء معاملة إبن أو إبنة لم يكن منصفا في حقه وهو تحت سلطنه ومسؤوليته، لا يتباكين على الغير وهما يحصدان ما صنعت أيديهما بعد رفع وصايتهما عليه، فالتمييز بين الإخوة يقلب حالهم سريعا من عطوفين رؤوفين إلى آخرين قساة غليظي القلب جراء القسوة والفظاظة التي تشربوها من والديهم، والتفضيل بين الإخوة يعجل بعدائهم لبعضهم وينعش بواعث الزهو بالنفس والتكبر بينهم.
يحتد صراع الإخوة المتفاضلين في حياة والديهم، وعندما يموت الوالدان يصيرون مثل الغرباء، لا صلة أرحام تبقى ولا تآخي ولا توادد ولا تراحم .. ولا …إلخ.
من هنا وجب دق ناقوس الخطر، فالموضوع ليس بالسهولة بمكان، ولا هو بالعابر الذي يموت مع الوقت، إنما هو يكبر ويعظم مع توالي السنين، و هو امتداد للقادم من الأعوام يعذب به من يبقى فوق الأرض و يسقى بحميمه من يغطيه الثرى.