يقول الله عز وجل: ((والعاديات ضبحا، فالموريات قدحا، فالمغيرات صبحا، فأثرن به نقعا، فوسطن به جمعا، إنَّ الإنسان لربه لكَنود)) [العاديات/ 1-6].
جاء في تفسير ابن كثير: ((إن الإنسان لربه لكنود)) بمعنى أنه لنِعَم ربه لكفور جَحود، قال ابن عباس ومجاهد: الكنود الكفور. قال الحسن: الكنود هو الذي يَعُد المصائب ويَنْسى نِعَمَ الله عليه.
وفي تفسير سور المفصل لعبد الله كنون: ((إن الإنسان لربه لكنود)) لَكفورٌ يجحد نعمةَ الله عليه ولا يُقابلها بما يَجبُ من الشكر والطاعة.
وفي “صفوة التفاسير” للصابوني: ((إن الإنسان لربه لكنود)): أي إن الإنسان لجاحدٌ لنِعَم ربّه، شديدُ الكفران.
قال عابر سبيل:
يا أيها الإنسانُ المحسنُ إلى غيره من الناس، يا مَنْ تَمُدُّ يد العون إلى هذا وذاك، يا مَنْ تُساعد غيرَك على الخروج من الضيق إلى السعة ما استطعتَ إلى ذلك سبيلا:
حاولْ ألا تنزعج ولا تغضب إذا ما قوبِلْتَ بالجحود ونُكران الجميل، فقد أخبرنا الله تعالى أن الناسَ يجحدون أفضاله ونِعَمَه عليهم، وهي النعم العظيمة التي لا مثيل لها ولا نظير.
إنك مهما أعطيتَ، وأنفقتَ، وساعدتَ فلَنْ يصلَ عطاؤُكَ “مثقال حبة” من نعمة واحدة من نِعَم الله سبحانه وأفضاله على الناس، فكيف لا يجحدون أفضالك – وأنت مخلوقٌ مثلهم- وهم يجحدون أفضال الخالق سبحانه وتعالى؟
فارتحْ إذن وابتسمْ واطمئن إلى أن الله لا يُضيع أجرَ المحسنين، ولا ترتقبْ أن يواجه الناسُ إحسانَك إليهم بإحسانٍ مثله، ولا تستغربْ أن يَخذلوك يومَ يرونَك في حاجة إلى الدعم والسَّند، ((إن الإنسان لربه لكنود)) وإنه لأخيه الإنسان لكنود جحود منكر لجميله وفضله عليه.
لا تبتئسْ بما يصنع الجاحدون، ولا يحزنْك ما قد تراه فيهم من الكذب، والنفاق، والتنمُّر، واستغلال طيبة الطيبين وكرمهم ونبلهم ولطفهم، ولا يمنعنَّك ذلك من مواصلة الإحسان ما دمتَ قادرا عليه.
واعلمْ أن كثرة الجاحدين من حولك لا تعني أن عباد الله جميعا جاحدون، فالحياة لا تخلو من أوفياء ونبلاء وكرام طيبين.
نعم هم قِلّةٌ في هذا الزمان، ولكن القلة دليلُ وجودٍ وليستْ دليلَ عدَم، ولا غرو أن يكونوا قليلين، فالمعادن النفيسة الكريمة قليلة نادرة في كل العصور.