-“أنا لا أحمل أثقالا في حقيبة سيارتي. ينبغي أن تؤدي عن ذلك!”.
ما لهذا الكائن يتحدث باستعلاء ويشمخ بأنفه إلى الأعلى كأنما هو بشرٌ فوق البشر!؟
أحاول أن أقنعه في هدوء: “يا سيدي هذا صندوق فيه كتبٌ. كان بمقدوري أن آتيَ بحقيبة أملؤها بهذه الكتب وأضعها في حقيبة “الطاكسي” كباقي الناس دون أن أؤدي عنها..”.
يشيح بوجهه عني، ويردد في استعلاء: “أنا لا أحمل أثقالا في حقيبة سيارتي!!”.
أغضبني استعلاؤه. هَمَمْتُ أن أُخرج صندوقَ الكتب من حقيبة الطاكسي، وأنتظر ريثما يحين وقت سيارة أجرة أخرى متجهة من تطوان إلى طنجة، لكن أخي محمدا أشار إلي بيده أنِ اهْدَأ. طلب مني عشرين درهما، وسلمها للسائق المتعجرف، وربت على كتفي، وقال لي: “اركب يا أخي”.
جلست وأخي في المقاعد الخلفية للسيارة. ممتعض أنا. يمتلئ صدري بالكلام، لكني أوثر ألا أنطق بشيء. أنظر إلى السائق وهو يقود في انتشاءِ الفائزِ في مباراةٍ أو سباق.
وكأنما إمعانا منه في الالتذاذ بطعم النصر، شغل شريطا موسيقيا، وجعل يترنم بكلمات أغنية من الأغاني الشعبية. ينظر إليّ أحيانا من المرآة التي تعلو رأسه. أرى ابتسامته الشامتة فأزداد غضبا.
يميل علي أخي محمد وقد خَلَّفْنا تطوانَ وراءَنا، ويهمس لي: “لا تفكر فيه، ولا تنظر إليه”.
أشْغَلُ فكري بنُسَخ الكتاب التي في الصندوق. إنه كتابي الأول. كيف سأوزعه؟ كيف سأقدمه للساحة الثقافية؟ لم أطبع منه سوى نسخ قليلة قد تنفد سريعا دون تحقيق الهدف الثقافي المرجو إذا أنا لم أحسن التصرف. أفكر في الملاحق الثقافية والمجلات الأدبية التي سأرسل إلى مسؤوليها نسخا. أتمثل أصدقائي من الأدباء الذين قد يقرأون الكتاب قراءة جادة موضوعية ويسهمون إسهاما إيجابيا في تقديمه إلى الساحة الثقافية بما ينفعها ويشكل إضافة نوعية إليها…
أقول لأخي محمد: “ما رأيك أن نذهب إلى القصر الكبير يوم الأحد؟ أريد أن أقدم نسخا من الكتاب لأصدقائي هناك”.
يقول لي: “نذهب إن شاء الله”.
كان السائق قد ضاعف من سرعة السيارة بعد ابتعاده عن تطوان بكيلومترات. طلبت إليه إحدى الراكبات أن يخفض السرعة. تطلع إليها. لم يجب بكلمة، ولم يستجب لطلبها.
عدتُ إلى التفكير في كتابي وفي أصدقائي من الأدباء، ثم تراجعت برأسي إلى الخلف، وأغمضت عيني بحثا عن لحظة راحة.
لم أكد أستسلم لغفوة حتى أحسست بالسيارة على وشك التوقف. فتحت عيني، فإذا رجال الدرك يستوقفون السائق.
كان قد خَلَّفَ رجالَ الدرك وراءه بأمتار عند التوقف. نظرت إلى صورته في المرآة التي تعلو رأسه وقد تَرجَّلَ من السيارة، وشرع يسلمهم وثائق سيارته. رأيته يتوسل إليهم ليغضوا الطرف عن تجاوزه السرعة القانونية، ثم وهو يخرج محفظة نقوده ويؤدي مبلغا بسبب المخالفة.
يعود إلى السيارة بعد لحظات متذمرا. يسب رجال الدرك في صوت خفيض، ثم يقود في اتجاه طنجة في سرعة أقل.
أنظر إلى أخي، وينظر إلي، ونواصل الرحلة صامتين.
أبو الخير الناصري
أصيلا في 12 من غشت 2021م.