” بيرالمار” Beralmar مجمع سكني خاص بمدينة أصيلة، يبعد عن وسط المدينة بكلمترات بسيطة، يحظى بحراسة أمنية متواصلة، ويتميز بمساحات خضراء شاسعة، ونباتات تزيد المكان سحرا وجمالا، إلى جانب مسابح وإطلالة خلابة على المحيط الأطلسي، وانفتاح على شاطىء البحر الخالي من الصخور، والمغري بالسباحة وممارسة رياضة المشي لمن يرغب فيهما.
بين أحضان ” بيرالمار ” بأصيلة قضيت جزءا يسيرا من الوقت أبغي التخلص من تراكمات الحياة المزعجة، والتحرر من قيود الطاقة السلبية التي باتت تخنقنا مع ظرفية الجائحة العالمية وأخبار الكوفيد 19 التي تحاصر أسماعنا في كل الاتجاهات، نسيت كل شيء هناك ورميت بكل شيء إلا شيئا واحدا إسمه : الحياة”.
قد نكون على قيد الحياة ولكن مجموع حواسنا ميتة، لا تستطعم جمالا ولا تتذوق حسنا وبهاء بسبب تناسل المشاكل وتكتلها، وحينما نرفع التعطيل عن هذه الحواس ونأذن لها بالاشتغال لأجل أن تنعم بالحياة يتغير كل شيء، ويصير كل ما حولنا ذا حلاوة ومذاق.
طعم الفرحة في عيون الصغار وعلى محياهم البريئة نوع آخر من أنواع الحياة، وهو ما استشعرته بصدق حين نزلت أسفل الشقة التي أقضي بها فترة الاستجمام وبيدي مجموعة نسخ من عملي صديقي المبدع مصطفى البعليش بنية نوزيعها على الصغار المتواجدين بإقامة ” بيرالمار” ، كنت حيثما عثرت عيني على صغير ناديته وسلمته نسخة هدية، فيشع بريق عينيه فرحا ويبتسم شاكرا إياي.
أثناء مروري بمسابح الإقامة، وقع نظري على ثلاث صبيات صغيرات يسبحن في المسبح ويدردشن مع بعضهن، قاطعتهن بندائي:
صديقاتي .. صديقاتي
التفتن إلي دفعة واحدة وصرن ينظرن إلي. خاطبتهن :
من منكن تحب القصص وتعشق الألوان؟؟
أجبن بصوت واحد :
أنا .. أنا .. أنا
قلت : جميل
أكدت عليهن أن القصص بالعربية الفصحى، فعلت هذا لأني مدة إقامتي بالمجمع السكني كنت أسمع لغات التخاطب بين الكبار والصغار في الغالبية تتم بلسان عجمي وبعض من اللهجة العامية، فوجدت صغيرة بين الثلاث تقول :
نعم، أنا أنا، أنا أحب القصص بالعربية وأقرأها أكثر منهما.
مدت الصغيرات أيديهن من وسط الماء يبغين تسلم نسخهن من قصص المبدع مصطفى البعليش، قلت لهن مداعبة :
لاااا، هكذا ستتبلل القصص بالماء وتضيع، هل يرضيكن ذلك ؟؟
ضحكن فوجدت الأولى تخرج من المسبح تقفز نحوي، وتبعتها الأخرى على الجانب الآخر، سلمت كلا منهما نسختها وسعدتا بها، بينما ظلت الصبية الوسطى في الماء تصارعه كأنما في غضب من سبق صديقتيها الممسكتين بنسختيهما قبلها. انتظرت خروج هذه الصبية من الماء وقد راقتني حركاتها وتفاعلها الممتع معي، كنت أظنها حين ستخرج ستمد يديها مثل صديقتيها لتنال نسختها، إلا أنها تركتني أنتظر لمزيد من الوقت، وهرولت باتجاه والديها تطلب منهما ” فوطة” ، جففت جسمها الصغير بها جيدا، والتحفت بها واتجهت نحوي تقول :
هات .. اعطني نسختي الآن، أحب القصص كثيرا وأعشق التلوين.
كنت أراقبها وأنا أبتسم في إعجاب من حسن سلوكها، سلمتها نسختين من عملين مختلفين، كانت الرياح تسقط جزءا من ” الفوطة” التي تلف جسمها الصغير، غير أنها لم تكن مهتمة إلا بعدم ترك القصص تسقط من يديها، حيث كانت تمسك بها بقوة كما لو يمسك كبير بشيئ ثمين جدا خوفا من أن يضيع منه.
كنت أراقبها وأضحك استمتاعا وفرحا بفرحها، قطع ضحكي صوت والديها القادم من الخلف، التفت فوجدتهما يبتسمان ويرددان:
شكرا .. شكرا، إنها تحب القصص والألوان كثيرا، وها أنت قد رأيت ردة فعلها العفوية، لتسقط ” الفوطة ” ولا تسقط القصص.
شكرا كلمة لا أستحقها لوحدي، شكرا يستحقها الكاتب المبدع صاحب الأعمال الإبداعية الموجهة للصغار الأستاذ مصطفى البعليش، شكرا يستحقها كل واهب للحياة في أسمى معانيها، شكرا نهتف بها سويا في وجه كل من ينشر الفرحة والسعادة ويتقاسمها مع غيره في رضى تام ومحبة لا منتهية.