نتفق جميعا على أن الأبناء نعمة ، ويستحيل أن يكون بيننا من يكره الذرية أو يرفض سماع كلمة بابا أو ماما من صغير .
فالأبناء بذرة .. زهرة .. فشجرة ، هم زينة الحياة وبهجتها ، قال سبحانه وتعالى : ّ المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا و خير أملا ّ ( سورة الكهف : 45) .
احساس جميل أن يكون لك أبناء تفخر بهم بين أقرانك ومعارفك و مجتمعك ، احساس أجمل لو أنك تكون في مستوى المسؤولية المنوطة بك كأب ، وكراعي مسؤول عن أسرة ، راعي أنجب واعتنى وربى ، ضحى وأنفق وضمن حقوقا لأبناء صار الرجل فيهم رجلا و المرأة امرأة ، فشغل كل واحد منهم مكانك بالأمس ، وهم يكملون مسيرة الحياة بعدك في ثقة وخطى ثابتة أنت من رسمها من البداية .
قد يستهوي البعض حب التزاوج، و التناسل فينسيه ذلك دوره كولي أمر مسؤول ، يكثر من الإنجاب وان استوقفه أحد منبها لا يتأخر في الرد بأن كل مولود يولد برزقه ، متجاهلا أن الأرزاق تنال بالأسباب، وما هو بقادر على اتيان كل الأسباب لينصف كل من هم تحت اشرافه .
فالانجاب عملية بسيطة، متاحة للجميع مالم يكن هناك خلل وظيفي في الجهاز التناسلي البشري ، اذ الفائدة ليست في انجاب مولود تلو الآخر والعجز بنوعيه – المادي و المعنوي – يحف بالآباء من كل ناحية ، سيما وأن الأولاد يحتاجون الى مصاريف منذ ازديادهم ، و حجم المسؤولية يكبر بكبر أعمارهم فيقتضي الواجب أن يصنع أولياء الأمور مستقبل أبنائهم بصحبتهم وهم يمدونهم بسبل النجاح، غارسين في غدهم الأمل ، منشغلين بأحوالهم وقضاياهم منذ الصغر ، يتابعون خطواتهم ، يراقبون ميولاتهم ، يشجعون مواهبهم ، يدعمون مسارهم بالمال تارة وبالعاطفة تارة أخرى ، مستحضرين ذواتهم في أبنائهم بينما يرى الابناء في هؤلاء الآباء ذاك المصباح المنير لطريقهم .
فهل كل الآباء يستشعرون ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم ؟
هل يفكرون في أن هذا الولد وتلك البنت في حاجة مستمرة الى رعاية أبوية بدءا من الصغر الى الكبر ؟ أم أن الموضوع منتهي بالنسبة لهم بمجرد قدوم هذا البرعم الى الحياة ؟
من الآباء من انشغل بنزواته وأهوائه وافتتن بجمع الأموال و الثروات ، لم يدرك أن ما انشغل عنه هو أعظم وأخطر ، قيد دوره في تغطية جميع الاحتياجات المادية للأبناء ، لا يتردد في تزويدهم بالنقود ، اعتقادا منه أنها الحياة في أسمى معانيها و المستقبل الزاهر في أبهى صوره .
هذا الشق من الأباء اختلطت أمامهم الأوراق وداسوا على فلذات أكبادهم بلا شعور ، ادعوا أنهم الآباء المثاليون وغيرهم لا يستحقون الأبوة ، ليستيقظوا في النهاية على حقيقة مفادها أن أبناءهم كانوا ضحايا فكر مادي بامتياز ، حقق لهم الضروريات و الكماليات وكان مقصرا جدا في جانب الأحاسيس الأبوية و الغذاء العاطفي الذي يحتاج اليه كل البشر .
الرعاية في مجتمعنا العربي المسلم واجبة، والإنفاق فيه واجب، والمساندة وتقديم يد العون واجبة فيه أيضا، وكذلك التربية الحسنة و التنشئة الصحيحة للأبناء. فاذا كان الغرب ينفصلون كليا عن أبنائهم في سن معين ، ويرمون بهم في براثن الحرية اللامنتهية والاستقلال المذموم الذي يجرد أولياء الأمور من كل سلطة على الأبناء ، فان الأمر عندنا مختلف وعلى النقيض تماما، حيث لا مجال للقياس و المقارنة بين مجتمعاتنا ومجتمعاتهم لأن وجه المقارنة منعدم من الأصل لعدة مفارقات.
آن الأوان بأن نعترف بأن أبناءنا غد ناطق بتربيتنا ، إن نحن اجتهدنا وكافحنا في سبيل تربيتهم تربية حسنة نكون قد نجحنا في صناعة جيل يعتد به، تفخر به الأمم وتنحني له القمم، وإن نحن تكاسلنا وفضلنا التخلي عن أدوارنا فلا نلم حينذاك من سيأتي ليسحب منا كلمة ّ آباء ّ ونحن من حملنا الإسم وتركنا المعنى من البداية .