تشهد الشوارع والأماكن العامة في الساعات الأولى من نهار رمضان المبارك سكونا وهدوءا ملحوظا، وتبدأ بعض التحركات قبل صلاتي الظهر والعصر، لتشتد الحركة بشكل جلي قبيل المغرب، حيث يعرف هذا الوقت بالذات ضغطا قويا، تنجم عنه العديد من الاشتباكات والصراعات بين الناس، والكثير من المشاحنات، تصل حد الضرب وإسالة الدماء، وأحيانا أخرى يتطور الأمر إلى إزهاق أرواح.
إنها ” الترمضينة ” كما يسميها العامة، حالة ينخرط فيها بعض الصائمين الذين يسلمون أنفسهم بسهولة للانفعال والتوتر، فتعلو أصواتهم في الشوارع والطرقات بالسب والشتم، وتنحرف سلوكاتهم عن الغاية المتوخاة من الصيام، فيضيع صيامهم وتضيع حسناتهم بسبب التهور وعدم التحلي بضبط النفس وتهذيب الخلق.
يصعب في رمضان وقبل أذان المغرب تحديدا، أن تجد الأمور تمشي بسلام بين الناس ، دون أن تقف على مشهد عراك أو تبادل لكمات أو ماشابهه، ومع تفاقم الأوضاع وانتشارها بكثرة، يضطر الناس إلى تنبيه بعضهم من مغبة الوقوع في فخ ” المترمضنين”، ويوصون بعضهم بتجاهل من يحاول عملية الاستفزاز بتصرف معين، أو بكلام غير لائق أو بأي شكل آخر من أشكال الاستفزاز تحت طائلة أنه صائم، وذلك تفاديا لحدوث ما لا يحمد عقباه، وإكراما لهذا الشهر الكريم الذي هو شهر التكفير عن الذنوب وترك المعاصي لا الزيادة فيها ومضاعفتها، وامتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم أيضا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ ، وَلا يَسْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ” . متفق عليه .
لقد أجمع الكل على أنه لا علاقة لرمضان بما نراه في الحياة العامة من عدوان وعنف، و ” المترمضنون ” الذين يصرخون في وجه غيرهم في تذكير لهم أنهم صائمون، هم في الأصل ليس لهم من الصيام إلا الجوع والعطش ، لأن صيام رمضان يدعو في جوهره إلى الخير ولا يأتي إلا بالخير، بينما تصرفاتهم هي أقرب للشر، ولا تسفر في النهاية إلا عن شرور متفرعة غالبا ما تكون وخيمة النتائج.
ليعلم ” المترمضنون ” أن للصوم فوائد جمة، ومنافع دنيوية وأخروية يجنيها الصائم المؤمن المحتسب، وما يدعونه من أضرار تطالهم بسبب الصوم إنما هي من صنع أوهامهم، فليجربوا تمضية يومهم بالاقبال على رمضان وصيامه في انشراح وفرح، وسيلاحظون الفرق، ولن يحدث شيء مما يعتقدونه ، بل سيتمنون لو يطول رمضان لتطول معه مدة اسمتاعهم برحماته وبركاته وأجوائه الخاصة المتميزة التي تغيب في باقي شهور السنة العادية.
ما قبل أذان المغرب هو فترة امتحان لكل الصائمين، من صبر وتجاوزها بنجاح حقق النصر والنجاة، ومن ضعف وسلم للغضب والتوتر خسر الكثير وضيع على نفسه مكاسب ثمينة.