في رأيي ليست المشكلة في الإعدام، فثمة حالات يكون الإعدام هو العقوبة الوحيدة العادلة والمنصفة ليس لأهل الضحية فقط، بل للجاني نفسه. أتذكر حالة شخص كان الإعدام هو الحل الوحيد لوضعيته. لقد قتل أمه، وصدر حكم الإعدام في حقه. وبعد تفكير عميق اضطر لأن يعترف بسبب جريمته حتى يعرف أبناؤه الحقيقة كاملة عندما يكبرون لعلهم يعذرونه. فطلب لقاء يدلي فيه بمعطيات جديدة حول القضية.
وهنا اعترف بأن أمه كانت تجبره، وهو صغير، على ممارسة الجنس معها. وعندما كبر وتزوج ابتعد عنها. وفي اليوم الذي قتلها فيه كانت قد طلبت منه الحضور إلى المنزل، وحاولت أن تجبره على مواقعتها، فلم يكن أمامه من حل سوى أن هوى عليها بآلة حادة تسببت في مقتلها. ولعلنا نتفق هنا أنه بعد هذا الاعتراف لم يبق أمام هذا الشخص من حل سوى الإعدام.
وإذا لم يكن الحكم هو الإعدام، فإنه سيطلب هو نفسه أن يُعدم وإلا سينتحر، لأنه لن يستطيع مواجهة عائلته ولا المجتمع إن تسنى له الخروج من السجن يوما. المشكلة في اعتقادي هي صعوبة التأكد من أن الجاني قد ارتكب الجريمة فعلا عن سبق إصرار وترصد؛ فهناك حالات كثيرة تكون فيها الأدلة “ملفقة” بطريقة محكمة مما يؤدي إلى اطمئنان القاضي بأن هذا الشخص قد نفذ الجريمة فعلا، ويصدر حكم الإعدام في حقه، لتظهر الحقيقة في وقت يطول أو يقصر: اعتراف شخص في النزع الأخير بأنه هو من ارتكب الجريمة وليس الشخص الذي نفذت في حقه عقوبة الإعدام. صحوة ضمير متأخرة لشاهد قدم شهادة زور لسبب من الأسباب وعلى أساسها وقع إعدام شخص بريء.
في بعض المرات يعترف الشخص بأنه هو القاتل بسبب مرض نفسي أو من أجل أن يتكفل الجاني الحقيقي بمصاريف أولاده فيضحي بنفسه من أجل عائلته. في هذه الحالات كيف يمكن لضمير العدالة ألا يتزعزع وقد وقع إعدام شخص بريء. هنا المعضلة، لأنه لا يمكن للعدالة أن تستعيد ثقتها في نفسها وفي نظامها إذا أعدم شخص واحد بريء. إذ لا يمكن إصلاح هذا الخطأ أبدا، لأن حياة الإنسان لا تعوض. كما أن ضمير القاضي لن يطمئن أبدا لإصدار حكم بالإعدام مرة أخرى بعد أن يكتشف أنه حكم على شخص بريء بالإعدام.