عندما عرى وباء كورونا عيوب المتخلفين !! / بقلم : أسماء التمالح
عرفت البشرية أوبئة كثيرة عبر الأزمنة والعصور، وشكلت بشيوعها اختبارات للإنسانية وامتحانات لمن هم تحت لواء البشرية، حيث أبان ذو المعدن الأصيل عن خلقه ومبادئه وقناعاته المحبوبة، وأخفق اللئيم في أن يجتاز الامتحان بنجاح، فأبان عن شؤمه وشره وعن تخلفه العقلي.
هو نفس السيناريو يتكرر حاليا، مع اختلاف في التاريخ والوباء، وبما أن كورونا وباء مستجد حديث الظهور، خرج من موطن الصين الذي قدم صورة إيجابية للعالم، تلاحم فيها كل مكونات الدولة من رئيس وحكومة وشعب، ووقفوا صفا واحدا في مواجهة الداء للحد منه، والتقليص من انتشاره الذي خلف عددا من الضحايا وآلافا مؤلفة من المصابين.
لقد وضع الصيني الواحد نفسه في خدمة أخيه بإخلاص وتفان، تكاثفت الجهود وبارك الله اتحادهم فكان النصر على الوباء ورفع الكمامات عن الوجوه، رسم الجميع ابتسامة في وجه الجميع وهنأوا بعضهم على الانتصار الذي حققوه، بعدما تقاسموا أوقاتا عصيبة لم يعرفوا فيها النوم والراحة.
هكذا بدت الصين للعالم، راقية شامخة بشموخ أبنائها ورقيهم، عظيمة بإنسانيتها وهي ترسل الدواء لبعض الشعوب التي تضررت من عدوى الوباء، بينما غرقت شعوب أخرى في تخلفها، إذ سرعان ما كشف وباء كورونا عيوبها مع أولى الإصابات الوافدة على بلدانها، فتبرأ بعضهم من البعض الآخر، وضربوا بعرض الحائط كل أواصر التآخي والتضامن وطالبوا بترك من هم خارج الوطن الأم هناك يصارعون الوباء ماداموا اختاروا الغربة على البقاء بأوطانهم، فقابلهم البعض ممن هناك بالضفة الأخرى برغبة جامحة لا تقل بغضا وحبا في الانتقام في العودة إلى حضن الوطن ونشر العدوى، كي يهلك الجميع.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل برزت سلوكات مشينة طبعت العلاقات العامة داخل البلد الواحد، حيث صار كل فرد يفر نحو حماية نفسه فحسب من العدوى، دون الاكتراث لضعف من حوله وعجزهم، ظنا منه أنه يحسن صنعا، وبأنه بمثل هذا السلوك ضمن الوقاية المثلى لنفسه، والحقيقة أن الوقاية معني بها الجميع كي نؤتي أكلها، مع مراعاة عجز الغير والأخذ بيده لتتحقق السلامة للجميع ويتم محاصرة الوباء بالحب والتكافل والاتحاد والتضامن والتعاون.
ومما عزز مظاهر التخلف أكثر، تهافت الناس وإقبالهم المكثف على الأسواق الممتازة وغيرها لاقتناء الأغذية والمواد الإستهلاكية التي تكفيهم لمدد غير محددة، وكأن المجاعة حلت أوالأزمة الإقتصادية كشرت عن أنيابها، والأصل لاشيء من ذلك حاصل، ولكنه اللهاث نحو السراب والانسياق نحو المجهول والأوهام.
أما فئات أخرى من المجتمع المتخلف، فشغلها الشاغل الاستهتار بما يجري والتعامل مع الوباء كما لو هو كذبة، وكذلك هي تقول، بدل أن تأخذ الأمر مأخذ الجد وتنفذ ما يطلب منها من شروط الوقاية، إن لم يكن من أجل نفسها، فعلى الأقل من أجل سلامة غيرها.
مهما بلغت حدة خطورة وباء كورونا، فإنه حتما سيقضي وقتا ويرحل مثلما رحلت سابقا أوبئة أخرى شهدتها البشرية، إلا أن وصمة العار ستظل تلاحق الذين نجح هذا الوباء في تعرية سوءاتهم وفضح عيوبهم الأخلاقية التي لا تمت للإنسانية بصلة، بل تؤذيها في عمقها وتضر بها ضررا بليغا.
لعل أولي الألباب تأملوا جيدا وتمعنوا في الظهور المفاجىء لكورونا، فاستخلصوا مجموعة من الدروس والعبر، واستوعبوا جيدا الرسائل التي حملها إليهم هذا الوباء الذي وحد العالم في رمشة عين – وليس من السهل إخضاع كل العالم في وقت واحد وتحت معضلة واحدة تصيب الناس هنا وهناك وتودي بحياتهم هنا وهنالك – فسارعوا إلى مراجعة أنفسهم وتصحيح بعض مغالطاتهم حول مفاهيم الحياة، عكس باقي المتخلفين الذين كلما أهدتهم الحياة درسا بالمجان انصرفوا عنه واستمروا في ضلالهم يعمهون.
عندما عرى وباء كورونا عيوب المتخلفين، سخرت البضاعة من مقتنيها المعتوه، واحتقر السلوك القويم تصرف عديم المبدأ، وضحكت الدنيا من أرواح عمى بصيرتها التخلف حتى أضحت لا ترى إلا نفسها ولا تسعى إلا لإرضاء هواها، متناسية أن السعادة كل السعادة تكمن في إسعاد الآخر وتقاسم مر العيش وحلاوته معه تحقيقا للاستقرار والأمان.