استراحة محارب أم انكسار كاتب حالم؟
عندما يبزغ نجم مطرب في مدينتي، تهلل له الساكنة وتتبادل أقراصه المدمجة؛ وعندما يبزغ فيها نجم راقصة سرقت الأضواء على الشاشات، تهلل لها الساكنة وتتبادل أخبارها وفيديوهاتها؛ وعندما يبزغ نجم مبدع شاب “مستقل” قادم من الطبقات الشعبية تقف ضده ساكنة مدينته بأحزابها ونقاباتها وجمعياتها، ويناصبه أهله وجيرانه وقدماء أصدقائها عداء آنيا غير مبرر. لم يخطر ببالي يوما بأنني أعيش وسط مجتمع “شيزوفريني” لهذه الدرجة ولا خطر ببالي الوقوف يوما لوحدي في وجه مئة وعشرين ألف نسمة من ساكنة ساخطة بلا مبرر لسخطها: ساخطة ليس على تسيير شأن مدينتهم وإنما على قدوم مبدع جديد .
وعليه، فبلا ثقافة وازنة، الدولة لا يمكنها ان تكون إلا “غرابا” أو “جيفة”. بلا ثقافة وازنة، تتبنى الدولة إما مشروعا “بدويا”، “بدائيا” يحميها من المساءلة والمعارضة والاختلاف أو هي تتبنى مشروعا “منحلا” و”متحللا” تعيش، من خلاله، على ذاتها وعلى من يقتات منها. بالواضح، الدولة بلا ثقافة وازنة، هي إما مشروع “دولة داعشية” أو هي مشروع “دولة بورديل”.
لماذا، إذن، استمرت في الكتابة في عز هجوم البدو وأعداء الثقافة وفي عز هياجهم؟
بكل بساطة، لأنني كنت أومن بأنه كانت لي “قضية” أدافع عنها. لذلك، فمنذ دخولي تجربة الكتابة والنشر، لم أتوقف ولو لسنة واحدة وأنا ممتن للحياة التي أمهلتني الوقت الكافي لذلك. ربما كان “الربيع العربي” فرصة ذهبية منحتني التوقف قصد مراجعة الذات وفهم جديد الاحداث المتسارعة. المهم، أنني انشغلت بالكتابة بدافع الحب للكتابة دونما سواها. فالكتابة تعيد قراءة العالم من منظور مغاير وتعيد تصوير الحياة من زاوية مختلفة.
مرارا، فكرت في دعوة أدباء البلاد إلى التوقف الجماعي عن الكتابة والنشر ولو لسنة واحدة تكون سنة إبداعية بيضاء. لكنني كنت اتراجع دوما في الدقيقة الأخيرة ليقيني بأن الدعوة للتوقف الجماعي عن التعبير الإبداعي باللغة العربية سينتج عنه فراغ إبداعي مريع ستحشد لملئه جحافل الانتهازيين. إذ بين التدميرين، كنت أفضل التدمير الجاري حاليا لسفينة الأدب المغربي الراهن بأيدي نساء الأدب ورجاله على تدمير يأجوج ومأجوج من الانتهازيين الذي ينتظرون انهيار السد لإيقاف الساعة وقتل التاريخ. وعليه، فانسحابي الفردي كان مجرد لفت انتباه إلى ظاهرة هدامة تنخر جسد الإبداع الوطني ولكن إمكانية اتساع رقعة الانسحابات قطعا لن تبشر بالخير للأدب المغربي خصوصا والعربي عموما.
—-
(يتبع)