لقد أولت مدينة القصر الكبير للبعد التراثي العناية التي تليق بها خاصة فيما يتعلق بالموسيقى الأندلسية المغربية التي ازدهرت شعبيا بعد أن تبنتها الزوايا بالمدينة، عبر اندماجها بالأمداح النبوية، وقد شكلت البيئة القصرية والمستوى الثقافي الجيد الذي تمتعت به فئات عديدة من سكان المدينة قبلة المتصوفة والأولياء، ومن خلال ذلك طعمت مدينة القصر الكبير المدن الكبيرة بالعديد من الفنانين والعازفين والمنشدين والتراثيين، ويكفي المدينة فخرا ان يعين الأستاذ محمد الطود على رأس الجوق الأندلسي بالإذاعة المركزية الذي أصبح بعد ذلك يضم ثلاثة عناصر اساسية فيه، هذه المدينة التي تشكل فيما يخص فيزيولوجية الصوت مناخا صحيا لأصفى وأقوى الأصوات الرخيمة، ولم يذهب لسان الدين الخطيب بعيدا حين وصفها بكونها جنة بلابل.
وفيما يخص البحث في العلوم الموسيقية والمهارات الفنية المعاصرة، قدمت المدينة لائحة هامة من الموسيقيين والعازفين ممن درسوا على يد الإسبان إبان فترة الحماية، واشتهروا في إطار الموسيقى النحاسية العسكرية والجوق الملكي حاليا. وكذلك أطر التعليم الفني في مختلف معاهد المغرب، ونذكر في هذا الصدد شخصيات مثل الأستاذ ادريس الشرادي المدير السابق لمعهد الرباط والقصر الملكي، الذي كون أجيالا من الباحثين الموسيقيين كالأستاذ محمد الرايسي الباحث المعروف على نطاق عربي واسع.
كما أننا نجد الفنان القصري شديد الوعي بدور التراث في تكوينه وإنتاجه، وخير دليل على ذلك الأستاذ عبد السلام عامر الذي شكل التراث المعمق على تراث الموسيقى العالمية مرجعية خصبة وثرية، فنحث آفاقا واسعة في مخيلته وذاكرته وذوقه الفني، إضافة إلى مستواه الثقافي الجيد.
لقد ساهمت ثلاثة أبعاد أساسية في تكوين التراث الفني الموسيقي القصري:
1 – البعد الإفريقي:
لقد استلهم الفنانون القصريون من التراث الكناوي ما أنتج فكرا موسيقيا ذا دلالات إفريقية عميقة، برز بالخصوص في أعمال ادرس الشرادي الذي أولى عناية بتدوين بعض نماذج الفن الكناوي في مقطوهاته الموسيقية.
2 – البعد المغاربي العربي:
من المعلوم أن مدينة القصر الكبير منصهرة في عروبتها ومغاربيتها، ويتجلى ذلك في منتوجات الفنانين القصريين الذين عملوا على مد جسور التواصل بين الشرق والغرب، من خلال أعمال موسيقية تتسم بنوع من الرصانة وبلاغة متينة في التعبير، معتمدين في ذلك على ثراء الموسيقى الروحية مثل الزاوية العيساوية والحمدوشية والجيلالية والتهامية والدرقاوية .
3 – البعد المغربي الأوربي:
لاشك أن موسيقى عبد السلام عامر تأتي على رأس الأعمال الفنية المغربية المتمثلة لهذا البعد، وأيضا للبعد المغاربي العربي المجدد بقيم الحداثة عبر قصائد متعددة، كقصيدة الشاطىء على مقام الراست، وقصيدة راحلة على مقام الصبا والبياتي، وكلها مقامات شرقية الطبع، إضافة لاستغلالها للعديد من مكونات التعبير الشرقي خاصة القفلة الموسيقية ورصانة البناء، وقصائد عامر تمثل البعد المغربي الأوربي نظرا للعلاقة المتينة التي بناها مع تراث الموسيقى العالمية عبر تذوقها واعتمادها كمرجع للإبداع.
إن فضل ندينة القصر الكبير على الثقافة والفن بالمغرب بديهية، وتعود أساسا لموقعها الجغرافي والبيئي والثقافي انطلاقا من أن المغرب شجرة أغصانها في أوربا وجذورها في إفريقيا وتتنفس نت العالم العربي.
- المصدر : القصر الكبير عمق التاريخ وغنى التراث
إنجاز : سعيد حاجي . محمد أخريف . عزيز الحساني . عمر موحان . محمد علوي . جمال بودومة.
تحت إشراف فريق العمل المحلي لحماية التراث بالقصر الكبير
منسق الفريق: د . ادريس العسري
جمعية مدينتي للتنمية والتعاون
مؤسسة القصر الكبير للتنمية
جمعية البحث التاريخي والاجتماعي
جمعية القصر البير للثقافة والتنمية
جمعية المستقبل
جمعية إحياء التراث الثقافي المادي والصوفي
جمعية الصحافة والاتصال
ذ . سعيد حاجي
ذ . مصطفى الجباري
ذ . عزيز الحساني
ذ . محمد علوى
ذ . محمد الدغوغي
ذ . عبد الإله السباعي
ذ . عمر الموحان
ذ . أحمد الوهابي
ذ . جمال بودومة
ذ . هشام السوسي
ذ . هشام العمراني
هام : يرجى الإشارة لموقع مدونة أسماء التمالح عند اعتماد المنشور.