لم يعد يمر يوم دون أن نسمع عن قتيل وقع ضحية طعنات سكين، أو جريح تم الاعتداء عليه بالسلاح الأبيض وهو ماض في طريقه الى عمله أو مدرسته أو لقضاء مأرب من مآربه الشخصية .
لم يعد بمقدور شخص مجادلة أو مخالفة رأي آخر، أو التصدي له في محاولة لنزع شيء مما يملك الا ويشهر السكين في وجهه، اعلانا على أن اللغة التي باتت سائدة في التعامل حاليا هي لغة” السكين” التي لا تعلوها لغة، ولا تعترف بالهدوء والطمأنينة المتعارف عليهما بين الناس.
أهي صرعة من صرعات الموضة وقد تأثر فيها الصغير بالكبير؟
أم هي لعنة تلاحق الأرواح البشرية بعد صمت طويل وتغاض غير مشهود عن الانتصار للحق والفضيلة ؟
ربما الجواب مفقود الآن، لكن الواقع يشهد أن الوضع العام للانسانية يتجه نحو الأسوأ، وأن الراحة والاستقرار النفسي باتا منعدمان مع الحوادث التي نستيقظ عليها كل حين، وأن السلامة البدنية والروحية غدت مهددة في كل وقت مع انتشار قطاع الطرق وارتفاع معدل الاجرام، ومع وجود مدججين بالسكاكين على استعداد كامل لغرسها في أجساد الآخرين بذنب وبغيره .
ان لغة ” السكين” الصارخة اليوم لتعكس تدني مستوى التربية والتنشئة الأسرية للفرد، هذا الفرد الذي كان بالامس يخاف من قتل ذبابة، فتحول الى مجرم محترف بسبب تخلي محيطه الأسري عن تهذيب سلوكياته وتقويمها في حالة الاعوجاج ، وانها لتعكس ذروة الانحطاط الفكري، وهزالة الخطاب الاعلامي للمتلقي المتابع لما تروجه بعض وسائل الاعلام من انتاجات سينمائية وتلفزيونية، وبرامج هزيلة تجعل من العدوان والعنف بطولة، ومن حمل السكين وأنواع السلاح الأبيض رجولة، الى جانب عرضها لتفاصيل حدوث بعض الجرائم وطرق تطبيقها ونجاحها، دون التركيز على عنصر الترهيب من الاقدام على ارتكاب مثلها، مما يدفع الكثيرين الى التقليد خصوصا منهم أولئك الذين يتعذر عليهم الفهم السليم والتمييز الصحيح .
قال صلى الله عليه وسلم : ” من حمل علينا السلاح فليس منا ” . أخرجه البخاري .
فالسكين هو أداة تستعمل للأغراض السلمية، وأي استخدام سيء له وكل عبث به يؤدي الى عواقب وخسائر فادحة، لذا وجب التوعية والتحسيس بمخاطر حمل السكاكين وتركها بأيدي الأطفال والمراهقين، والذين كثيرا ما يحملونها بدافع التباهي بين أقرانهم، أو لضعف في شخصيتهم نتيجة التنشئة الاجتماعية غير السوية . كما يجب اعادة الاعتبار لدور الأسرة في التربية والمتابعة والمراقبة للابناء، وحثهم على عدم العدوانية في التعامل مع غيرهم حفاظا على حياتهم وعلى حياة الآخرين .
جاء في الصحيحين عن حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” لايشير أحدكم الى أخيه بالسلاح، فانه لايدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار “.