الدكتورة سعاد الناصر
أستاذة وكاتبة ومثال للمرأة العصامية .
– عام هجري سعيد ( 1439 هـ) دكتورة سعاد الناصر، مع أطيب الأمنيات لك ولأفراد أسرتك الكريمة. شكرا على قبولك دعوة المدونة لإجراء هذا الحوار، ومرحبا بك بيننا. سؤالي الافتتاحي: من هي سعاد الناصر؟
– أشكرك عزيزتي أسماء على هذه الاستضافة الطيبة والجميلة جمال روحك البهية، وأثمن هذه الحوارات التي تساهم في نشر الثقافة وتحفيز الشباب على التشبث بالقيم الجمالية والإنسانية، من خلال نماذج مختلفة حققت نجاحا معينا في مجال من مجالات الحياة.
سعاد الناصر من مواليد تطوان، في أسرة محافظة، عشقت القراءة منذ نعومة أظافري، أتذكر أن الفتيات في حينا كُنّ يلعبن بالدمى والقفز على الحبل وغيرها، لكني كنت سرعان ما أملّ اللعب، لأنزوي في ركن من أركان البيت أقرأ، أو أتشبث بوالدي للذهاب إلى المكتبة، هناك كنت أنسى العالم حولي، وأنغمس في عوالم متعددة ومتنوعة. والدي رحمه الله كان قارئا جيدا بامتياز ، ولعل ذلك كان أول خيط في نسيج تشبثي باللغة العربية، شدني إلى عوالم الإدهاش والتفرد فيها، ومنه تعلمت عشق الكتاب والشغف به حد الإدمان. مرت حياتي بمجموعة من المحطات، من أهمها عودتي إلى الدراسة النظامية بعد نجاحي في الباكالوريا، وقراري بمتابعة الدراسة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان, ثم تعييني أستاذة مساعدة في الكلية نفسها.
– سعاد الناصر معروفة عند العامة بلقب ” أم سلمى “، ما قصة هذا اللقب، ولماذا اختيار سلمى دون اسم آخر من أبنائك حفظهم الله لك جميعا ؟
ـ تزوجت في سن مبكرة جدا، وأنجبت أطفالي، وحين قررت العودة إلى الدراسة، شاء قدر الله أن أحمل بابنتي سلمى في سنتي الجامعية الأولى، وبمجرد ما أنهيت الامتحان، توجهت إلى المستشفى لإنجابها. في السنة نفسها، وأنا أتهيأ للامتحانات الشفوية نشرت لي جريدة الميثاق الوطني، التي كانت تنشر صفحة خاصة بإبداعات الشباب، أول نص إبداعي باسمي. فقررت أن أنشر لاحقا باسم أم سلمى تيمّنا بها. هذه هي القصة بكل بساطة، بدون أي قصد لإخفاء اسمي، أو هويتي. أعرف بأن الأسماء المستعارة ظاهرة قديمة، كانت توجد في مختلف العصور، في الشرق وفي الغرب، حيث كان الكاتب {امرأة كانت أم رجلا} يخترع لنفسه اسما مستعارا يكون بديلا عن اسمه لأسباب سياسية أو اجتماعية، حيث يتحرر من شخصيته الواقعية التي قد يراقبها من يعرفها، ليعبر عما يريده دون رقابة. .فنجد مثلا الكاتب الفرنسي فولتير يخفي اسمه “فرنسوا ماري أرويه” ولا يعرف إلا بفولتير، وغيره كثير، لكن حين لقبت نفسي بأم سلمى لم أكن أقصد الإخفاء وإنما التيمن والتأريخ الحي لحياتي العلمية والإبداعية.
– سعاد الناصر مثقفة عصامية، انقطعت عن الدراسة وتزوجت، ثم عادت للدراسة من جديد وهي زوجة وأم. هل الدراسة مهمة جدا للأنثى؟ لماذا ؟، وكيف أمكنك تحقيق ذلك مع المستلزمات العائلية؟
ـ لا نقاش في أهمية الدراسة والعلم للمرأة، واعتبارهما من حقوقها الطبيعية، من أجل تنمية مداركها المعرفية وإغناء عقلها وتوسيع طرق تفكيرها. إضافة إلى إكسابها قيمة مضافة، وامتلاكها لأدوات وقدرات، تنعكس على شخصيتها وشعورها بالرضا والاستقرار النفسي، وطريقة معالجتها لمختلف الأمور والقضايا التي من حولها، كما تجعلها مؤهلة لصنع القرار الي يُغيّب عنها، والمطالبة بتفعيله. بالنسبة إلي، ومع زواجي المبكر وانقطاعي عن الدراسة منذ ما كان يُعرف بالبروفيه، كان قراري بالرجوع إلى الدراسة النظامية بعد إنجابي لأربعة أطفال قرارا صادما لكل الأسرة، لكن زوجي مع ما كان يلمسه مني من حب للعلم شجعني على ذلك، بالإضافة إلى والدي، فقد وجدت فيهما التشجيع الذي استطعت به التحدي، والحرص على التوازن بين واجباتي الأسرية وبين الدراسة. لم يكن الأمر سهلا، لكن إصراري على النجاح كان حافزا على المتابعة. والحمد لله، النتائج مرضية، فقد استطعت تربية أطفالي بما يرضي الله، ويجعلهم أفرادا إيجابيين في المجتمع، كما حققت بعضا من طموحاتي العلمية والإبداعية.
– كيف كانت البداية الإبداعية لسعاد الناصر؟ وهل كان لمدينة تطوان إسهام في تأثيث فضاءات عطائها، أين تجلى ذلك ؟
ـ لا أستطيع تذكر البدايات الأولى، منذ وعيت نفسي وأنا أقرأ وأحاول الكتابة، في طفولتي كنت أتابع عمي الأستاذ محمد العربي الناصر وعمي الدكتور عبد الواحد الناصر وهما يكتبان في الصحافة، فكنت أنبهر بهما وأحاول تقليدهما. وكم من مرة راسلتهما في الرباط، وطلبت منهما تصحيح ما أكتب، ثم كان الزواج، إلى أن التقيت بصفحة ميثاق الشباب التي كانت تصدرها أسبوعيا جريدة الميثاق الوطني المغربية، وكان يشرف عليها العراقي ثم بعده الأستاذ فراس عبد المجيد، فدفعت ببعض النصوص إليها، التي لقيت تشجيعا وإقبالا، ولعل هذه هي بداياتي الأولى مع النشر.
ومقولة الأديب ابن بيئته صحيحة، وفضاء تطوان وما يحيط بها من طبيعة فاتنة وجبال وبحار عامل أساس في طبيعة تكوين الشخصية التطوانية بصفة عامة، والأدبية بصفة خاصة، فضلا عن العامل الجغرافي الذي ذكرت، فقد كانت تطوان دائما ملتقى حضاريا وثقافيا، مشرعا على الشرق والغرب، الأمر الذي أثار إدهاشي منذ تفتح وعيي الفكري والثقافي. أضف إلى ذلك مكتبة والدي التي كانت فضاء خصبا متنوعا، أتاح لي فرصة الاختيار والمتابعة، ومن الطبيعي أن يترك كل ذلك آثاره، ويصبغني بصبغته. والحقيقة أن المكان لم يكن يوما هامشا في حياة أي إنسان، وإنما يمثل دعامة هامة وحاسمة في تكوينه، وترسيخ كيانه وطبعه بطابعه الخاص، وتثبيت هويته. ومن الطبيعي أن تكون العلاقة بين المكان والمبدع بصفة عامة علاقة تفاعلية، تمتد عبر أزمنة مفعمة بعبق الذاكرة، لكن الشاعر بصفة خاصة يمنح المكان حضورا مغايرا لما هو عليه في الواقع، ليصبح له وجود شعري يتشكل من خلال اللغة، وتتحدد ملامحه من الصور البلاغية والإيقاع الموسيقي. فلا يعود إطارا ماديا له حدود معينة، وإنما يصبح امتدادا له، يكتسي دلالات رمزية من أبرزها دلالة الانتماء.
– بين نظم الشعر وكتابة القصة، أين تجد سعاد الناصر نفسها أكثر؟ كيف ذلك ؟
لقد أجبت عن هذا السؤال في حوارات سابقة، كان آخرها حواري الشيق مع الدكتور أحمد رزيق عبر كتاب باقة إبداع قلت فيه:
” يقال إن الأديب أو الفنان (المفن) – بصفة عامة – يبحث عن نفسه إلى أن يجدها في لون أو نوع، خاصة في المراحل الأولى من الكتابة. وكل إنسان نال نصيبا من التعليم جنح، في مرحلة تفتحه على الدنيا، إلى التعبير عن خلجاته وعواطفه بكيفية ما، فمن سكنه هاجس الفن تطورت أدواته التعبيرية ونضجت واستمرت، ومن فارقه ماتت رغبته في التعبير في مهدها. لكني في الحقيقة بمعايشتي لهذا الهاجس، لم أشعر في لحظة من اللحظات، أي في مرحلة البحث عن الذات المبدعة، أين يمكن أن تجد نفسها. وما أعيشه في العملية الإبداعية هو لحظات نفسية محضة تتجلى في هذه الصورة أو تلك. طبعا هناك عدة مراحل تمر بها العملية الإبداعية أو الفنية، وقد لا أتمكن من وصفها جيدا – خاصة المرحلة الأولى – لأنها حالة مربكة بالغة التعقيد والتداخل، ودائمة التجدد والتنوع، تبدأ غالبا من تأثير أشياء خارجية أو داخلية على النفس وضغطها عليها، ثم انفعال النفس واستجابتها لطبيعة هذه المؤثرات، سواء كانت مادية أو وجدانية، هذه الاستجابة لا أفكر على أي شكل سوف تتشكل، وإنما تأتي عفوية بهذا أو ذاك، وهذه هي المرحلة الأخيرة أي مرحلة التشكل والكتابة. كذلك يمكن أن أقول إنه في كتابة القصيدة أعيش حالة نفسية خاصة تطول أو تقصر حتى تخرج القصيدة، أحيانا، قد تفلت هذه الحالة مني فلا أستطيع أن أخط كلمة واحدة. أما في كتابة القصة، فقبل أن تبدأ عملية الكتابة تكون قد اختمرت في الذهن فترة من الزمن، تحبك خلالها الأحداث، وتنمو الشخصيات، وتتخذ مواقف ورؤى مختلفة ومتناقضة.
ولذلك يمكن أن أقول بكل بساطة، إنني في كل الحالات أجد نفسي؛ أجدها في الشعر كما أجدها في أي لون تعبيري آخر، سواء كان بالكلمة أو باللون، المهم أن يكون التعبير صادقا ونابعا من القلب ليصل إلى القلوب. فأكتب ما يفيض عني بالطريقة التي تتلبسني، لأن الكتابة قدري وحياتي، علاقتي بها تشبه إلى حد كبير ذلك الحلم الذي يكبر داخلنا، وكلما حققنا جانبا منه، تتقد الرغبة في المزيد، لذا لم تكن الكتابة، وما زالت، تخضع لتكويني العلمي، وإن كان عنصرا من عناصر وعيي بالأسس المعرفية والجمالية، وإنما هي عشق خاص، ألتحم بذبذباته، وأتسكع في دروبه وفضاءاته، لا أستطيع الوقوف طويلا عند شكل من أشكاله”.
– ما المقصود بمصطلح ” الأدب الإسلامي” ؟ فيم يلتقي ويختلف عن باقي صنوف الآداب الأخرى؟
الأدب الاسلامي هو الأدب الذي يصدر عن الرؤية الإسلامية، أي هو أدب الفطرة وأدب الأمة والإنسانية جمعاء بالنسبة للمسلم. ولا يخفى أن مصطلح الأدب الإسلامي مر بمراحل دلالية (كدلالته على فترة زمنية انحصرت في فترة صدر الإسلام، واعتباره عند البعض شكلا من التعبير الذي لا يخرج عن الوعظ و النصيحة) إلا أنه مصطلح استقر عند بعض الأدباء المعاصرين الذين ينطلقون من الإسلام في رؤيتهم للوجود والإنسان. وفي اعتقادي أنه مصطلح ظرفي يبين رؤية الأديب وموقفه أكثر مما يحيل على الأدب رغم محاولة المنظرين له شحنه بشحنات فنية وجمالية. فهو ينتمي إلى منظومة عقائدية وفكرية هي منظومة الإسلام، وكل الأدباء الذين يحملون قيم الإسلام، التي هي في الوقت نفسه قيم الإنسانية، يدخلون في مجال هذه المنظومة. وعلى كل حال فإن قضية مصطلح الأدب الإسلامي قد استنفدت جهدا وزمنا ليس باليسير، فكما أن الأدب العربي هو الأدب المكتوب بالعربية، فإن الأدب الإسلامي هو آداب الشعوب الحاملة للهوية الإسلامية، بمختلف أعراقها، يرتبط ارتباطا أخلاقيا بكل القيم الجمالية والإنسانية.
– يوم 10 أكتوبر هو يوم وطني للمرأة المغربية، برأيك دكتورة، هل حققت المرأة المغربية طموحاتها ونالت حقوقها كما يجب، مثلما يتم الترويج لذلك بوسائل الإعلام، أم أن الطريق لازال طويلا، مع عدم تفعيل مجموعة من الفصول القانونية التي تتناول هذه الحقوق المتعلقة بالمرأة؟
ـ حققت المرأة المغربية والعربية عموما الكثير من طموحاتها، ونالت بعض حقوقها، وأبانت عن كفاءات مهنية وقدرات عالية في اختراق فضاءات كانت إلى عهد قريب حكرا على الرجل، إلا أن الطريق فعلا ما زال أمامها طويلا في ظل عدم الوعي بمؤهلاتها من جهة، وبهيمنة الصورة النمطية الاجتماعية والثقافية المترسخة في الأذهان عنها وعن دورها في الحياة من جهة أخرى. وهذا يعني أن هناك الكثير من العوائق والعقبات والقيود التي تحول بينها وبين ما تتطلع إليه من نجاح وتفوق. إلا أنني أومن بمسؤولية المرأة في تغيير وضعها رغم كل شيء بل مسؤولة إلى جانب الرجل عن تغيير المجتمع وتطوره، سلبا أو إيجابا. صحيح أن هناك عوائق اقتصادية وسياسية واجتماعية تحدّ من انطلاقها وقدرتها على تحقيق ما تريد، إلا أنها تستطيع التحدي وإثبات ذاتها إذا بادرت إلى تأهيل نفسها بالتعليم والوعي والتثقيف، وبتصحيح النظرة النمطية عنها، وبنفض غبار التبعية عنها.
– يمكن اعتبار الدكتورة سعاد الناصر من رائدات الكتابة النسائية بالعالم العربي، هل جاء هذا النوع من الكتابة معارضا لما يصدر عن الرجال من إبداعات، أم تعزيزا لمكانة المرأة بالساحة الثقافية وقدراتها الإبداعية، أم هناك دوافع وأسباب أخرى أكثر وجاهة ؟
ينبغي بداية أن أحدد لأن الإبداع لا جنس له، بل له هوية الجدة والأصالة. ولا يمكن فعلا البحث فيه عن خصوصية نابعة من جنس كاتبه، إنما تنبع خصوصيته مما يتفرد به فنيا وجماليا، وما يتميز به موضوعيا. وهذه الخصوصية هي التي تدفع إلى البحث عنها في الأدب الصادر عن المرأة، لأنها {أي المرأة} تنطلق من تجربتها بكل أبعادها ودرجات وعيها، وتعمل على تخصيب نصوصها برؤية نابعة من طبيعتها الأنثوية، على الرغم من أنها تظل في جوهرها إنتاجا إنسانيا، يسعى إلى الحضور المستمر في ذاكرة المكان والزمان، ويغوص عميقا في ذات الإنسان وهمومه وتطلعاته ونزعاته. فعلاقة المرأة بالإبداع والبحث العلمي والكتابة عموما، علاقة محملة بأسئلة متعددة ومختلفة، منذ أن أعلنت أنها لم تعد موضوعا وإنما فاعلة منتجة للخطاب، وأنها استطاعت اختراق مجالات عدة. بل يمكن القول بأنها رسّخت قدرتها على تشكيل نصِّها الإبداعي، الذي أثبت وجوده وهويته وكينونته، من خلال استحضاره لسؤال الإبداع، وليس سؤال النوع. المهم هو وضع هذه الكتابة النسائية في سياق الممارسة الثقافية والفكرية والإبداعية الإنسانية بعيدا عن أي تصنيفات ضيقة، بمساءلة متخيل المرأة والكشف عن بلاغة نصوصها من أجل الوصول إلى عمق جوهرها الإنساني.
– كتاب ” بوح الأنوثة ” هو جهر بالحقيقة، وانتصار لقضية المرأة الإنسان والرجل الإنسان على حد سواء، وكذا للإنسانية العميقة بشكل عام . بم تفسرين دكتورة الصراع المفتعل القائم راهنا بين الجنسين، وكيف تقرئين تداعياته؟
ـ الأطروحة التي ركزت عليها في بوح الأنوثة كانت هي محاولة الكشف على أن مشكلات المرأة لا تعدو كونها جزءا من مشكلات كبرى مرتبطة بالإنسان، ومن هذا المنطلق لا مجال للحديث عن قضية المرأة دون إدراجها في قضية أشمل وأعم، هي قضية التحرر العام، لأن كل أشكال القمع والعنف والإرهاب والاستعباد والاستغلال الممارس ضد المرأة، ليست سوى صورة منعكسة مما يمارس ضد الإنسان، ابتداء من الممارسات الفردية والاجتماعية، وصولا إلى الممارسات الدولية من ترهيب وحصار واحتلال، لذا فإن أي معالجة للحرية أو المساواة أو الحقوق أو غيرها من الموضوعات، يجب أن تعالج ضمن علاج أزمة حرية الإنسان وحقوقه، وقضية المرأة ترتبط بقضية الإنسان. لكن هناك من يعتبر أن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة صراع وتضاد، وأن مصلحة أحدهما لا تتحقق إلا على حساب مصلحة الآخر، لكن الحقيقة أن العلاقة بينهما هي علاقة مساواة وتكامل من أجل التعاون على أداء تكاليف الحياة، وأن أي تصور آخر عن هذه العلاقة يفضي بها إلى درب مسدود، و يغرق ما يُعرف بقضية المرأة في مستنقعات آسنة. والمساواة تكمن في إعطاء كلٌّ ما يستحقه، من احترام وتكريم ومناصب.
– حدثينا عن مكتبة سلمى الثقافية بمدينة تطوان ؟
مكتبة سلمى الثقافية يترأسها زوجي السيد عبد الهادي بن يسف، الذي يؤمن بدور المكتبات في تطوير الشعوب وترقيتها، لذا حرص منذ نشأتها على تقديم خدمات ذات فعالية عالية، سواء من خلال توفير مصادر ومراجع علمية وأدبية في مختلف الميادين، أم من خلال المساهمة في نشر الكتب. وقد بلغ عدد ما نشرته المكتبة أكثر من 106 مؤلف في مجالات علمية وثقافية متنوعة، كما نشرت أكثر من سبعين كتاب في الإبداع، ما بين الشعر والقصة والرواية والمسرح. وكانت معايير النشر لديها وما زالت هي الجودة والجدة، فنشرت لأساتذة ومبدعين، معروفين في الساحة الثقافية، متمرسين في مجال تخصصهم، كما نشرت لمبتدئين تشجيعا لهم وتحفيزا. ورغم التكلفة التي لا تكاد تغطي ثمن الكتاب، وصعوبة التوزيع، فإنها ما زالت صامدة، إيمانا منا بأن الكتاب، رغم تعرضه لمنافسات شديدة من طرف التقنيات الحديثة، سيظل أنجع وأضمن وسيلة للحفاظ على العلم ونقل المعرفة. كما أنه علامة حضارية لرقي الشعوب، ومؤشر ثقافي لبناء الفعل الثقافي الساعي نحو التغيير والسمو.
– انطلاقا من كتابك ” السرد النسائي العربي بين قلق السؤال وغواية الحكي”، فأي حضور للمرأة المبدعة في الذاكرة الحضارية والثقافية مطلقا؟
يتضمن المشهد الثقافي والفكري والإبداعي عددا كبيرا من الكتابات الموقعة بأقلام نسائية، في مختلف الأجناس والدراسات الأدبية، قديما وحديثا، وهو أمر يؤكد أن المرأة لم تكن يوما غائبة عن هذا المشهد وإن خفت إيقاع حضورها في بعض المحطات التاريخية، وقلَّ تراكمها الكمي والنوعي في مختلف الميادين. وعلى قلة ما وصل إلينا من كتابات المرأة، إلا أننا نجد أسماء عدة لم يستطع التاريخ تجاهل أصواتهن، وإسهاماتهن بالتأليف والإبداع في مجالات مختلفة. وفي عصرنا الحديث، استطاعت المرأة أن تخترق ما حدّ من انطلاقها في مجال الكتابة، فأبدعت تراكما نوعيا ملحوظا يحتاج إلى تأمل ودراسة.
– من خلال كتاب ” توسمات جارحة “، يمكن التساؤل: إلى أي حد يمكن أن تنال الجراح من المرأة ؟
في اعتقادي أن الطبيعي في المرأة أنها رغم رقتها وليونتها وعاطفتها الجياشة وضعفها الجسدي فإنها قوية، ومن المفروض أن أي جرح يصيبها ينبغي ألا يزيدها إلا قوة وتحدّيا، باستثناء بعض الحالات التي يجوز للمرأة أن تكون فيها ضعيفة. وبالتالي فإن بيدها القدرة على تحويل الجراح إلى طاقات إيجابية إذا انعتقت من شرنقة ذاتها، وقاومت عدم الثقة بنفسها، واستوعبت جيدا أن منها تنطلق أسس التربية والسلوك والممارسات التي يكتسبها الأفراد في المجتمع. وإني أومن إيمانا مطلقا أن لكل امرأة قوتها الكامنة فيها، والتي تستطيع بها التغلب على أي جرح مهما كان.
– ماذا عن مجموعتك القصصية ” ظلال وارفة ” ؟
ظلال وارفة مجموعة قصصية من منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت ضمن سلسلة روافد، يقول الدكتور حلمي القاعود عن عناوين نصوصها أنها تشير إلى “دورات الحياة المتنوعة بأفراحها وأحزانها، ومسراتها ومعاناتها، وتقلبات الحالة النفسية والاجتماعية بالإنسان السوي، وغير السوي، ولكنها في كل الحالات تشير إلى شخصيات متطورة ومتحولة تنتقل من حال إلى حال، ومن سلوك إلى آخر. ولنتأمل مثلا عناوين بعض القصص، مثل: رجوع، آن يا رب، البحر، حين تزهر أوراق السفر، توبة، ولادة، لعبة الحياة، تعلم، تماس، أغصان السكن، مقلاة السفنج، هروب نورس اليقين… إنها عناوين تعبر عن حركة الحياة وتنوعها، والدخول إلى معمعتها والاشتباك معها، والتنعم بحلاوتها والتجرع لمرارته”. ولعل هذه القولة تشي بما تتضمنه المجموعة.
– ” أما آن لهذا الليل أن ينجلي عنك يا وطني ..”. ماذا يمثل الوطن للدكتورة سعاد ؟
في ظل ما نعيشه من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، يصعب الحديث عما يمثله الوطن بالنسبة لنا، رغم بساطة السؤال وعمقه. هل يكفي أن أشير إلى أنه الموطن الذي يولد فيه الإنسان، ويشترك فيه مع جماعة من الناس يرتبطون معا بالتاريخ والحدود الجغرافية والمصالح المشتركة؟؟ إن الوطن أكبر من كل هذا، إنه الشعور بالانتماء إلى مكان يحميك ، إنه فضاء للأمن والأمان، وكل فرد فيه يجب أن يتحمل مسؤولية العطاء والوفاء والإخلاص، وإلا غرق في ظلام دامس.
– هل من أعمال جديدة قادمة؟
ـ هناك عدة أعمال تنتظر دورها في التنقيح والنشر، لكن الالتزامات الأكاديمية والأسرية تجعلني أتأخر عنها، أسأل الله أن يرزقني الصحة والعافية لإخراجها، واستكمال رسالتي في الحياة.
– كلمتك الختامية لهذا اللقاء؟
أشعر بالافتخار بك، وبما تسعين إلى تحقيقه، بارك الله خطواتك الجادة وإشعاعك العلمي والثقافي.