نستضيف اليوم أسماء التمالح، إنسانة عصامية، شقت وتشق طريقها بإمكانات ذاتية، في جد وحزم، وتعد أول امرأة من مدينة القصر الكبير تلج مجال التدوين الإلكتروني عبر مدونة خاصة عرفت باسم “القلم البريء للمقالات الاجتماعية”، نشرت وتنشر بها مجموعة من المقالات الاجتماعية الموقعة بقلمها، قبل أن تتطور هذه المدونة وتتنوع مواضيعها وتنفتح على حقول عدة، وتشتهر باسم “مدونة أسماء التمالح”.
سؤال: المتابع لما تنشرين في مدونتك يلمح وجود علاقة حميمية مع مدينة القصر الكبير ثقافة وفكرا ومجالا، هل يمكن أن نعرف سر الوصال مع هذه المدينة؟
جواب: بداية أوجه شكري لموقع “تربويات”، وأتمنى له المزيد من النجاح، كما أشكر الأستاذ سعيد الشقروني على دعوته الكريمة لإجراء هذا اللقاء الحواري، الذي أتمناه حوارا مفيدا وممتعا للجميع.
فيما يخص العلاقة التي تجمعني بمدينة القصر الكبير، هي علاقة الروح بالجسد، فمدينة القصر الكبير هي موطن جدي الأكبر الشريف سيدي مخلوف، وموطن أجدادي الذين تفرعوا عنه، هي مسقط رأس والدي الكريمين، ومسقط رأسي وبقية إخوتي وأفراد عائلتي.
وحبي وتعلقي بالقصر الكبير، هو حب وتعلق بالمدينة الذاكرة، المدينة التاريخ، المدينة المجد، المدينة العراقة والأصالة، المدينة الخير والجمال، والمدينة الحضارة والرقي…
أما القصر الكبير الراهنة، فأجدها بكل أسف غريبة عني، لا أعرفها وقد مسخ وجهها، وشوهت صورتها، إلى أن غابت ملامحها الحقيقية التي تجسدني وتجسد كل قصراوة الأحرار الذين غرفوا من معينها كل ثمين ونفيس .
سؤال: كيف تورطت أسماء التمالح في عشق الكتابة، وقبلها في عشق الأدب؟
جواب: ترعرعت في محيط أسري محب للقراءة، لازلت أذكر وأنا صبية صغيرة صورة والدي وهو مستلق على الكنبة يقلب صفحات الجرائد، ويطالع الجديد من الأخبار كل يوم، ولازلت أذكر أيضا صورة السيدة الوالدة وهي منزوية في ركن من أركان البيت تتصفح المجلات النسائية الهادفة التي تنير الطريق للمرأة العربية، سواء على مستوى التربية وتنشئة الجيل، أو على مستوى التدبير والتسيير المنزلي، وغيره من المواضيع المفيدة جدا.
هكذا كبر معي عشق الكتابة، وعشق الأدب توهج لدي في المرحلة الإعدادية من التعليم الدراسي، حيث كنت أنافس أختي الكبرى للحصول على المعدل الأول في اللغة العربية على مستوى المؤسسة كلها، كنت أعشق المادة وأحفظ قواعد اللغة العربية عن ظهر قلب، مما ساعدني على أن أكون من المتفوقات فيها وقتها.
سؤال: وماذا عن تخصصك في القانون؟
جواب: توجهي الجامعي نحو القانون كان عن حب في البداية، سيما وأن والدي كان موظفا إطارا وقتها بإحدى محاكم المملكة، غير أن الخيبة سرعان ما تسللت إلى نفسي وأنا أقف عبر سنوات الدراسة على أن المكتوب والمنصوص عليه قانونا، نادرا ما يعرف طريقه نحو التطبيق والتفعيل، لتظل القواعد القانونية حبرا على ورق، فأتساءل: ما جدوى دراسة مواد عوض أن تنير لنا الطريق وتساهم في تقوية شخصيتنا، تسلمنا للوهم وتكون أول ما يبعدنا عن حقوقنا المشروعة، وآخر ما يشغلها إنصافنا والعدل في قضايانا؟
سؤال: أصدرتم مؤخرا كتابا بعنوان “مكاشفات في الأدب والفن والإعلام”، عده أحد الباحثين إضافة نوعية للمنجز الثقافي بمدينة القصر الكبير خاصة.. هل يمكن أن تقربونا من أطروحة أو مضامين مكاشفاتكم؟
جواب: أشكركم على هذا السؤال، فعلا صدر لي مع مطلع السنة الحالية 2017، كتاب “مكاشفات في الأدب والفن والإعلام”، من تقديم الأستاذ الدكتور مصطفى يعلى حفظه الله، وتصميم لوحة الغلاف للفنان زكرياء التمالح، وهو كتاب من القطع المتوسط، صدر عن المطبعة السريعة بمدينة القنيطرة، يتألف من 195 صفحة، ويضم 16 حوارا أو مكاشفة.
يحضر بالكتاب في ركن السرد: أ. د. مصطفى يعلى، أ.د. محمد أنقار، الروائي رشيد الجلولي، والكاتب محمد سعيد الريحاني. ويحضر في ركن البحث الجامعي: أ.د. عبد الله بن عتو،و أ. د . محمد احميدة. ويحضر في ركن الشعر: أحمد الطود، الطيب المحمدي، أمينة الصيباري، أمل الأخضر. أما في ركن النقد، فيحضر: مصطفى الغرافي، وأبو الخير الناصري؛ بينما يحضر في الفن كل من: الفنان التشكيلي المختار غيلان، وفنان الأشرطة المرسومة زكرياء التمالح، وفي ركن الإعلام يحضر: الصحافي محمد سمير الريسوني، والإعلامي محمد الموذن، إلى جانب حوار مع الإعلامية أسماء التمالح.
وقد خصصت جمعية الانبعاث للتنمية والتربية بالقصر الكبير، التي أحييها من هذا المنبر، حفلا لتوقيعه بتاريخ 22 أبريل 2017، قدم فيه كل من الدكتورين حسن اليملاحي وأبو الخير الناصري قراءة نقدية، مما جاء في مداخلة الدكتور أبو الخير الناصري: “يشكل هذا الكتاب إضافة نوعية للمنجز الثقافي بمدينة القصر الكبير خاصة..فهذه هي المرة الأولى التي تتصدى فيها واحدة من بنات القصر الكبير لإصدار كتاب من هذا النوع بهذه المدينة .. أتحدث عن النساء لا عن الرجال.. هذا الكتاب ينتصر لصوت العقل والحوار.. يعد هذا الكتاب من النصوص الموازية التي تسهم في إضاءة المنجز الأدبي والفني والإعلامي للذين حاورتهم أسماء التمالح”.
أما مداخلة الدكتور حسن اليملاحي فتضمنت ما يلي: “الكتاب ينتصر للكثير من القضايا التي تسعى إلى ترسيخ ثقافة الجمال والقيم والمكاشفة بكل ما تنطوي عليه من أبعاد إنسانية وإبلاغية، وبرأيي فإن هذه السمة واحدة من السمات التي تجسد قيمة هذا المؤلف الذي ينضاف إلى “أقلام وأعلام من القصر الكبير في العصر الحديث” لمحمد العربي العسري، و”أدباء ومفكرو القصر الكبير المعاصرون” للراحل بوسلهام المحمدي، و”من أعلام مدينة القصر الكبير” لمحمد بن عبد الرحمان بنخليفة، وهي من بين أهم الكتب التي تستحق القصر الكبير أن تفتخر بها.”
سؤال: أجريتم في مدونتكم حوارات مع أساتذة وباحثين قدموا الكثير للثقافة والفكر الإبداعي المغربي.. ما شدني إلى حواراتكم هذا التقدير وهذا الاعتراف لأساتذتنا الكرام، ما السر في ذلك أستاذة أسماء؟
جواب: نحن نعيش في زمن الرداءة بامتياز، ولا يجب الخضوع لهذا الواقع مهما كلفت الظروف، لذلك كان من باب الإنصاف الوقوف مع هذه الشخصيات لاستجلاء رؤاهم وتصوراتهم حول قضايا حياتية مختلفة، خصوصا وأن الجودة حاضرة، حتى وإن حجبتها الرداءة التي باتت تنخر جسد عصرنا الحالي. وانطلاقا من مسؤوليتنا كناشطين إعلاميين، نفضل أن نكون في صف الحقيقة وخدمة الإنسانية، لا الانسياق وراء السائد من الدخيل على أصالتنا وهويتنا وثقافتنا العريقة.
جل الشخصيات الحاضرة معي بالكتاب شخصيات لا تهتم بالأضواء، والشهرة والبهرجة، بل إنها شخصيات تعمل في صمت، تشتغل بمسؤولية وضمير، وقدمت الكثير للثقافة والفكر الإبداعي المغربي كما تفضلت، من هنا جاء التركيز عليها وتسليط الضوء على جوانب مهمة من عوالمها الظاهرة والخفية، في محاولة متواضعة مني لإعادة متعة القراءة والمطالعة للقارئ، وكذا إعادة الاعتبار للكتاب والكاتب المغربي الحق، الذي يستحق فعلا كل التقدير والاعتراف، وأنا أشكر هنا كل الأساتذة والباحثين الذين استجابوا لدعوتي لهم بالحوار، وأتمنى لهم المزيد من العطاء والتألق.
سؤال: تربطكم علاقة وجدانية وثقافية وجمعوية بالمتعلم .. كيف أفادت واستفادت أسماء التمالح من احتكاكها بالمدرسة والمتعلم؟
جواب: لست أكذب إن قلت إن أقوى لحظات حياتي هي حين أكون بين تلاميذ المؤسسات التعليمية، هؤلاء يعودون بي إلى العمر الذهبي الذي عشته، حين كنت تلميذة مثلهم، آخذ مقعدي بين زملائي في الصف، وكم أكون سعيدة حين أنفتح عليهم بتجربتي المتواضعة في مجالي التدوين والإعلام، في استجابة لدعوة توجه إلي من أطر ومديري هذه المؤسسات: (“لقاء مفتوح مع المدونة الإلكترونية أسماء التمالح” بإعدادية أبي المحاسن. ( 2012 )، “صورة المرأة في الإعلام” بثانوية وادي المخازن (2012)، “أخلاقيات الإعلام” بالثانوية التأهيلية المحمدية (2014)، ندوة حول “المرأة الرائدة ” بثانوية الطبري الإعدادية (2014)… وغيرها.
الجميل في كل لقاء، أنني أخرج بمتعلم يعبر عن رغبته في أن يترسم خطاي في المستقبل، ويكون في مكاني، وهذا دليل على تأثرهم بما أقدمه لهم، واقتناعهم به، مما يعزز مكانة التلاميذ في قلبي أكثر، وأستحضر مسؤوليتي اتجاههم بشكل أكبر، فهؤلاء هم حلقة الوصل بين الحاضر والغد، ومثلما أقول لهم دائما، هم الأمل، هم المستقبل الذي نستشرف ظلاله من خلالهم، هم ثروتنا التي يجب أن نلتف حولها كل من زاويته لحمايتها وصيانتها وتوجيهها التوجيه الحسن ضمانا لحياة مستقبلية مستقرة.
وأغتنمها فرصة للاعتذار للأحبة التلاميذ عن تقصيري الكبير في التواصل الالكتروني معهم، وذلك بسبب عدة ظروف تكون غالبا خارجة عن إرادتي.
سؤال :أخيرا .. ما هي مشاريعكم المستقبلية؟
جواب: لدي مجموعة أعمال مكتوبة أتوق إلى نشرها في كتب إن شاء الله، وتصبح في متناول للقارئ، كما آمل من العلي القدير أن يتيح لي الفرصة ويَمْن علي بجهد أوفر لأستكمل رسالتي المتواضعة في الثقافة والحياة التي عاهدت نفسي من البداية أن أؤديها بإخلاص وتفان، إرضاء لرب العالمين وخدمة للوطن وتطلعا لسلامة الإنسانية جمعاء.
سؤال:الأستاذة أسماء التمالح، أشكرك على هذا السفر الجميل في تجربة طموحة وواعدة وواثقة من خطواتها.. كم نحن في حاجة إلى حوارات تزرع الأمل وتدعو إلى الانخراط الايجابي في الواقع وإلى محبة الفكر والثقافة والأدب. شكرا جزيلا.
جواب: العفو، الأستاذ سعيد، شكرا لمجهوداتكم ولمنبركم مرة أخرى.