نفتح السيرة العطرة لنبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ونجدها ثرية بالمواقف النبيلة، غزيرة بالأخلاف الرفيعة، تنبض حبا وإخلاصا للبشرية جمعاء، حيث اجتمع الخير كله وسمت روح الإنسانية في الأعالي، وعلا شأن الوحود البشري بتوجيهات الرسول العظيم عليه أزكى الصلاة والسلام لسبل النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، والنهي عن كل ما يفسد ويضر بالنفس ويقودها إلى الهلاك، ومع كل هذا الفساد المتفشي والضلال الشائع، يتساءل المرء: ماذا أخذنا عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟
تطغى بمجتمعاتنا صور التقليد الأعمى لتصرفات وسلوكات وأفعال وأشكال لاتمت بصلة لهويتنا الثقافية العربية الأصيلة، ولا لتعاليم ديننا الحنيف: تسريحات شعر عجيبة، أثواب كاشفة للجسد، سراويل ممزقة، حلي وأقراط تسابق الذكور للتزين بها قبل الإناث، وتحد صارخ لقواعد الأدب والاحترام في التعامل، مع شيوع الألفاظ النابية وذيوع الكلمات الخادشة للحياء … كل هذا وغيره تم تأطيره في خانة سميت ب ” التحضر “، وإنه للتخلف والانحطاط الأخلاقي في أبهى حلله.
يركض جل الناس في عصرنا الحالي نحو مخالفة كل ما يطابق روح الشريعة الإسلامية السمحة، ظنا منهم أنهم بفعلهم هذا يحسنون صنعا، ويواكبون التطور موازاة مع الغرب، وهم في الحقيقة إنما يسممون حياتهم وحياة الأجيال المستقبلية، لأن ثقافة الغرب لا تلتقي أبدا مع ثقافتنا إن لم نقل أنهم يحسدوننا على الإسلام الحق وما حمله إلينا من قيم ومبادئ أدرنا ظهورنا عنها للأسف، وفضلنا التبعية والاستيلاب حتى صرنا مثل القطيع الذي يطوي الطريق من دون تحكيم للعقل أو إدراك لنهاية الطريق.
ماذا أخذنا عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ الجواب حتما : لاشيء، فلو أننا تحلينا ببعض صفاته – صلوات الله عليه وسلامه – ما اشتكى إنسي منا، وما كان حالنا ذا الحال، ما عانينا الاكتئاب وضيق النفس، ما انتشرت الزنا وتدنى مستوى الأخلاق الفاضلة، ما كان هناك ظلم وماعاث الناس في الأرض فسادا، ماكان هناك تسلط وجاهلية حديثة تغرق الأنام في الوحل والويلات.
لو أخذنا بعضا من صفاته صلى الله عليه وسلم من صدق وأمانة لعم الاستقرار والأمن بالبلاد، لو تحلينا بخصاله الكريمة لسلكنا درب الرقي والازدهار وتبوأنا أعلى درجات الحضارة. تلك الحضارة الحقيقية المتكاملة الأركان والمتينة الأساس، وليست الحضارة المستهلكة المتأسسة على المعاصي وكثرة الذنوب وعصيان أوامر الله عز وجل.
ليت أمتنا تعود لجادة الصواب، ليت شبابنا وشيبنا، نساءنا وأطفالنا، يعلمون ويتعلمون من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وينهلون من كلامه الطيب وفعله الأطيب لتستريح النفوس، وتنشد الحياة الطيبة السعيدة التي بات الجميع ظمآنا لاعتناقها.