يغزر تاريخنا الإسلامي بأسماء سيدات أبلين البلاء الحسن في الحياة العامة، وتركن بصمات قوية في محيطهن الأسري والإجتماعي وغيره، حتى حق لهن أن يتخذن قدوة ومثالا يحتذى به لنيل أعلى درجات النجاح والفوز سواء في الدنيا أو الآخرة.
على رأس قائمة نسائنا الخالدات المؤمنات الرائدات الناجحات يبزغ إسم سيدة العالمين، الطاهرة أم المؤمنين والمؤمنات خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها، وهي المرأة الأكثر تميزا في التاريخ البشري، قال عنها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : ” آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء”.
هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية، أمها فاطمة بنت رائدة، ازدادت – رضي الله عنها – بمكة، توفي أبوها في حرب الفجار، وهي من أقرب نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) إليه نسبا، وقد كانت امرأة ذات عز وشرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وكان لها حظ وافر من التجارة، إذ كانت قوافلها لا تنقطع بين مكة وحواضر التجارة وقتئذ، مما جعلها تحظى بمكانة عظيمة في الكرم والأخلاق الرفيعة.
تزوجت أمنا خديجة – رضي الله عنها – مرتين قبل زواجها من خاتم الأنبياء والمرسلين، كان زوجاها السابقين من سادات العرب، أنجبت من الأول هند وهالة، وأنجبت من الثاني هند بنت عتيق.
تعامل رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع السيدة خديجة في مجال التجارة، وتحكي بعض الروايات أن سيدة العالمين خديجة أرسلت محمدا مرة إلى الشام رفقة غلامها ميسرة، وعندما رجعا أخبرها الغلام بما رأى من أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم، وما لمس من أمانة وطهر فيه، وما أجراه الله عز وجل على يديه من البركة حتى تضاعف ربح التجارة، ولأن أخلاق الإنسان هي ما يرفع قدر المرء أو يحطه، أعجبت سيدة العالمين خديجة بشخصية محمد عليه الصلاة والسلام إعجابا شديدا، فرغبت به زوجا .
تم زواج سيدة العالمين خديجة من محمد عليه أزكى الصلاة والسلام قبل البعثة بخمس عشرة سنة، حيث خطب حمزة بن عبد المطلب أم المؤمنين والمؤمنات خديجة بنت خويلد لابن أخيه محمد من عمها، كان عمر رسولنا الكريم محمد آنذاك خمس وعشرون سنة، بينما كان عمر سيدة العالمين خديجة أربعين سنة.
عاشت خديجة إلى جانب زوجها محمد حياة زوجية سعيدة ومستقرة، أثمرت ستة أبناء هم : القاسم، عبد الله، زينب، رقية، أم كلثوم، فاطمة .
نجحت سيدة العالمين في كسب قلب محمد، فقد كانت تحبه حبا قويا، فهيأت له بيتا هانئا قبيل البعثة، وساعدته على خلوته في غار حراء، وواسته بمالها ونفسها، وعند البعثة صدقته وثبتته، خصوصا عندما جاءها خائفا مرتجفا يقول : ” زملوني .. زملوني “.
تميزت سيدة العالمين خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها وأرضاها – بقوة الشخصية، وبرجاحة العقل، وبالحكمة والوعي، فكانت الطاهرة التي وهبت نفسها وبيتها لخدمة المسلمين، وكانت أول من آمن بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فاستغلت مكانتها في دفع الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت له نعم النصير والمعين، ولما ماتت – رضي الله عنها وأرضاها – حزن عليها – صلوات الله عليه وسلامه – حزنا شديدا.
استحقت أمنا خديجة بعظمتها أن يبشرها الله عز وجل ببيت في الجنة، صنع من اللؤلؤ المجوف، فكانت بذلك المرأة الأسبق إلى الجنة، تماما كما كانت الأسبق إلى الإسلام. حفظ رسولنا الكريم ودها، واعترف لها بجلال أخلاقها وشهامتها، ولم يتزوج عليها في حياتها، بل ظل يذكرها بعد رحيلها دوما، وكعربون وفاء لروحها الزكية، كان – صلوات الله عليه وسلامه – يصل صديقاتها بعد موتها ويعاملهن بالحسنى.
لقد كانت خديجة لمحمد – صلى الله عليه وسلم – بمثابة الداعم والمساند في بداية الوحي الإلهي حين لقيه جبريل عليه السلام، وكانت محفزته ومشجعته على الصبر، ومقوية قلبه، هي الأولى في المؤمنين، وهي أولى النساء التي قامت بالوضوء والصلاة حيث كانت تتواجد عند نزول الوحي قرآنا وتكليفا، وحين ينزل جبريل بالوحي لتعليم الرسول الكريم الوضوء والصلاة، لتصلي مع رسول الله في نفس اليوم.
لم يكن زواج محمد عليه السلام من سيدة العالمين خديجة زواج مصلحة ولا ماديات ولا شهوة جنسية، بقدر ما كان زواجا مبنيا على الفضيلة والأخلاق الرفيعة المتأسسة على المودة والرحمة والسكن والتقدير الكبير، لذلك كان يردد دائما : ” إني رزقت حبها “.
من طلباتها – رضي الله عنها وأرضاها – لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم بتكفينها بالرداء الذي قام بارتدائه عندما نزل الوحي، لكونها رحمة الله عليها كانت تخاف القبر، فكان لها ما طلبت من الحبيب المصطفى فسعدت بذلك كثيرا.
لقد قدمت أمنا خديجة الكثير من أعمال الخير والإحسان، حيث تبرعت بثروتها للفقراء والمساكين والأيتام والمرضى والأرامل، واعتنت بزواج الفتيات ودفعت مهورهن، وإلى جانب كل هذا كانت مدرسة في رعاية الزوج ومساعدته، وكانت خير معين لزوجها محمد في إظهار الإسلام للعالم أجمع، فأثبتت حضورها ونقشت إسمها في الخالدات واستحقت أن تكون سيدة العالمين بامتياز.
One Comment
خديجة بنت خويلد
هي سيدتنا رقية رضي الله عنها، أبوها سيد الخلق سيدنا محمد ﷺ، وأمها: السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، أسلمت مع أمها، وبايعت رسول الله ﷺ هي وأخواتها حين بايعته النساء، وتزوجها سيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا فقال عنهما رسول الله ﷺ: إنهما لأول من هاجر إلى الله تبارك وتعالى بعد لوط. وكانت رضي الله عنها في الهجرة الأولى قد أسقطت من سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه سقطا، ثم ولدت له بعد ذلك ابنا فسماه “عبد الله”، وكان سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه يكنى به في الإسلام، فلما بلغ السنتين نقره ديك في وجهه فطمر (أي: انتفخ وورم) وجهه فمات، ولم تلد له شيئا بعد ذلك، وهاجرت إلى المدينة بعد زوجها عثمان رضي الله تعالى عنه حين هاجر رسول الله ﷺ، ومرضت ورسول الله يتجهز إلى بدر، فخلف عليها رسول الله ﷺ سيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ليمرضها، فتوفيت ورسول الله ﷺ ببدر، وكان ذلك في شهر رمضان، على رأس سبعة عشر شهرا من هجرة رسول الله ﷺ، وقدم سيدنا زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه من بدر بشيرًا، فدخل المدينة حين سوي التراب على السيدة رقية بنت رسول الله ﷺ