تضررت القدرة الشرائية للناس بشكل مهول، ولم يعد هناك بد من القبول بالأسعار الصاروخية التي تروج بالأسواق على التوالي، والتي صار لها تأثير سلبي جدا على جيوب الناس، الشيء الذي اضطرهم إلى إشهار سلاح المقاطعة في وجه بعض المنتجات الغذائية منها والاستهلاكية، في مطالبة للشركات المنتجة بخفض الأثمان كي تتناسب وتتلاءم مع قدرة المواطنين الشرائية، وكي تكون موازية للأثمنة الأخرى المعمول بها في بلدان أخرى مجاورة.
ااستهدفت الحملة التي ينخرط فيها فئات واسعة من الشرائح الإجتماعية كانطلاقة أولى، مقاطعة شركة للحليب، وشركة للماء المعدني، ومقاطعة إحدى محطات بيع الوقود، قبل أن تمتد إلى الأسماك التي يشهد سعرها ثمنا مرتفعا جدا فاق حد الوصف، مما ينبىء باتساع رقعة هذه المقاطعة أكثر لتشمل جل المنتجات التي تنتصر للغلاء ولا تعرف للرخاء وجهة.
لقد أجبر الارتفاع الموغل للأسعار الناس على نهج هذه الخطوة بدلا من الخروج في مسيرات احتجاجية بالشوارع، وإذا كانت المقاطعة قد عرفت انطلاقتها في الإفطار فهي مستمرة حتى في شهر الصيام ” رمضان”، وهذا دليل قاطع على أن السيل بلغ الزبى، وأن الناس لم يعد بإمكانهم تقبل واقع الغلاء، أو الإذعان لشركات تبيع منتجاتها بأثمنة باهظة، ترفع من مستوى غناها وتزيد من حدة تفقير الناس.
ليس من العدل ارهاق العباد بكثرة النفقات واثقال كاهلهم بتبعات مالية تنال من جيوبهم، وتزيد الأطراف الأخرى ربحا وتسلطا واستبدادا في السوق الاقتصادي، فالاحتكار مرفوض من قبل الناس، وتقلبات الأسعار التي لا يعرف لها بداية ولا نهاية مرفوضة هي الأخرى، وإهانة الناس ونعتهم بنعوت تنال من كرامتهم في محاولة لإجبارهم بالقبول بالواقع رغم أنفهم أسلوب يحمل خطورة كبيرة، لاتقل عن خطورة تهديدهم بعقوبات زجرية إن لم يقتنوا منتجات استهلاكية معينة، في حين يخضع التسوق والتبضع لحرية الاختيار أولا، و لظروف وإمكانيات الفرد والجماعة الإقتصادية ثانيا، وللذوق الخاص ثالثا مادام المستهلك هو من يؤدي ومن ماله الخالص.
لن يفضي العناد إلى حلول مجدية، بينما الإنصات لمآسي الناس والدخول معهم في حوار مسؤول وجاد، والإحساس بمعاناتهم مع العمل على رفع الضرر في صورة توافقية، من شأنه أن يرفع كل التعقيدات ويقود إلى بر الأمان، ولتكن مناسبة رمضان مناسبة لمراجعة الأوراق ومحاسبة الأنفس، وإعطاء كل ذي حق حقه، دون ظلم وتحقير أو تبئيس وزيادة في التفقير، فالغنى على ظهور البسطاء جرم كبير في حق الإنسانية، والاستلذاذ بعذابهم فيه إثم ومعصية لخالق الكون جل جلاله الذي يقول في هذه الآية الكريمة : ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ، (البقرة:188).