منذ اليوم الذي نجلس فيه على مقاعد الدراسة، تراودنا أحلام وردية بأننا سنكون في الحياة كذا وكذا، نسأل بعضنا البعض عن مهننا المستقبلية فيتنوع الجواب بين الطبيب والمهندس والأستاذ والمحامي والممثل وما إلى ذلك من تلك المهن التي تقع عليها أعيننا على شاشات التلفاز وكراسات المدارس..
نتقدم في العمر رويدا رويدا، فتبدأ أحلامنا تصغر شيئا فشيئا، نصل إلى الدراسةالجامعية مثقلين بهموم ما بعد التخرج، فيتحول الشغل إلى مجرد رزق أو حظ وتنتحر أحلام الكثير منا لتصير مجرد أماني صغيرة ترضى بالفتات مقابل عدم التمدد على سرير البطالة الذي قد يقتلك ببطء وأنت في عز شبابك..
أن تكون عاطلا عن العمل يعني أن تستفيق متأخرا بمزاج سيئ بعد ليل عتيد ركض فيه دماغك ألف دورة و دورة في بقاع الحيرة دون نتيجة، تبحث عن ذلك المفتاح الذي يفتح بوابات الأمل فلا تجده وتترقب ذلك الغد الغامض المجهول الذي لا يختلف بشيء عن واقعك الحالي، ليل طويل لا تنام فيه عينيك إلا بعد إرهاق نفسي قد يصيبك بالاكتئاب الحاد إن لم تكن من ذوي الإرادات القوية..
أن تكون عاطلا عن العمل، يعني أن تنتظر بشغف مواقيت صدور إعلانات الوظائف العمومية، فتسارع إلى نسخ شواهدك والى التقاط صور جديدة لك، تحاول عدم إقناع نفسك بصعوبة التوظيف بعد أن اقتصر الطلب على بضع عشرات مقابل وجود آلاف مثلك يحلمون بمثل هذه الوظيفة، فالمهم عندك هو أن تجرب حظك وأن تجعل ضميرك يرتاح ولو قليلا بأنك فعلت ما عليك ورميت بالكرة إلى الجهات المعنية..
أن تكون عاطلا عن العمل، يعني أن تنفض الغبار عن بذلة قديمة جعلتها خاصة بالمهمات الصعبة، فتتوجه إلى الشركات الخاصة راغبا في عمل تقول شهادتك إنك كفؤ له، قد يكون حظك سيئا فتنتهي عند رجل الأمن الخاص المنتصب بالباب، وقد يكون حظك وافرا إذا سمح لك بالدخول فتستقبلك سكرتيرة جرّبت جميع مستحضرات التجميل لكي تظهر أكثر أنوثة، تأخذ ملفك وتجيبك بتلك الجملة السحرية التي كانت بمثابة أول درس تعلمته في الشركة: “صافي..هاني خذيت الضوصي ديالك..ويلا كانت شي حاجة غادي نعيطو عليك”..
أن تكون عاطلا عن العمل ، يعني أن تبحث في الجرائد ومواقع الوظائف عن عمل، فتجد إعلانات تشترط دبلومات خاصة معينة لم تكن تقوَ حتى على التفكير فيها بسبب أثمنتها التي تتجاوز أجرة والدك الشهرية، وحتى إن رأف أصحاب الشغل بشهادتك المتواضعة، فسيضعون أمامك حائطا آخر اسمه التجربة التي لا يجب أن تقل عن سنتين، فمن أين لك بها وأنت الذي لم تجرب غير الحرمان والقهر..
أن تكون عاطلا عن العمل ، يعني أن تَدمى كرامتك وأنت تمد يدك إلى والدك منتظرا بضعة دراهم كي تلبي بعض الاحتياجات الضرورية، تحس أنه قد تحمّلك كثيرا وعندما حان الوقت لتخفف عنه لا زلت أنتَ أول من يستنزف أجره، ويعني أيضا أن يبكي فؤادك دما وأنت تسمع صباح مساء دعوات والدتك بأن يفتح الله عليك أبواب الرزق بينما تنسد هذه الأبواب في وجهك تباعا، فينتحر الفرح في قلبك وأنت تقرأ في وجه والدتك ذلك الألم بتحطم آمالها بعدما كانت تتمنى أن تُفاخر بك وسط العائلة والجيران..
أن تكون عاطلا عن العمل، يعني أن يصير جسدك عالة عليك فلا تحضر المناسبات والتجمعات العائلية، وتحاول ما أمكن الاختباء عن أقربائك وأصدقائك ممن يلتقون بك فيبدأ حديثهم بالسؤال المستفز:”ماذا تفعل ؟”وينتهي بجملة “الله يسهل عليك” وهي نفس الجملة التي يرددها الجميع لمتسول ما، كما لو أنك صرت تتوسل العمل بعد دراسة مضنية وهو ما كنت تعتقد انه حق مشروع لك..
أن تكون عاطلا عن العمل ،يعني أن تحترق غيرة وأنت ترى غيرك قد استقر في حياته واشترى السيارة والشقة ودخل إلى قفص الزوجية، أما أنت فالسنوات تمر عليك وأنت واقف في مكانك لا تتحرك أبدا، تغازل الوقت الذي يتمدد ليصير الشهر سنة وتتحول السنة الى قرن، فتتركك الفتاة التي تحب و تهرب من بين يديك بعد أن انتظرتك طويلا دون أن يكون لجيبك شرف التقدم لها، فحتى لو أرادت أن تنتظرك، يواجهها المجتمع بالعنوسة الدائمة، فتختار الرحيل عنك عوض تضحية قد لا تكون محمودة العواقب مع شخص لم يضمن حتى حاضره فكيف يضمن مستقبلهما…
أن تكون عاطلا عن العمل ، يعني ان تأبى كرامتك أن تبقى متفرغا طول الوقت، فتتجه نحو أعمال لم تكن تتخيل نفسك يوما أن تقوم بها، تعمل نادلا و بناءا وجانيا للمحاصيل، وتتمنى فقط لو يتركك المجتمع في حالك ويكف عن عبارات الشفقة والعطف التي تقتلك فتكون سببا لهجرك مثل هذه الأعمال…
أن تكون عاطلا عن العمل ، يعني أن يطلب منك سمسار ملايين السنتيمات مقابل التوسط لك لكي تعمل في مؤسسة ما، ويعني كذلك أن تحتقر أولئك المسؤولين الذين يظهرون على شاشات التلفاز ينافقون الشعب بكون المغرب يعرف دينامية وحركية معينة، وان تضحك بألم وأنت تسمع وزير الشغل يقول إن البطالة في المغرب في تراجع مستمر،وأن تشيخ قبل الأوان وأنت تتحول إلى قاعة انتظار كتب عليها بالخط العريض:”عاطل عن العمل”…