الحمد لله و لا يدوم إلا وجه الله
في مثل هذا اليوم العاشر من رمضان لسنة 1380 للهجرة الموافق ل26 فبراير من العام 1961 اسلم الروح لباريها جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه .
ولد “سيدي احمادى”، وهو لقب الأمير محمد بن يوسف، بمدينة فاس، وكان أصغر إخوته الثلاثة. وبينما كان والده السلطان المولى يوسف يقضي معظم الوقت في العاصمة الرباط، قضى الأمير الصغير سيدي محمد جل وقته في القصر الملكي بفاس، حيث كان يتلقى التعليم على الطريقة التقليدية المغربية العتيقة، وهي دروس عربية دينية كانت تتخللها دروس مبادئ اللغة الفرنسية، اللغة التي لم يتقنها جيدا، وكانت لغة المستعمر ضرورية من أجل التواصل مع ممثلي سلطات الحماية. وكان أستاذه الوحيد هو الفقيه محمد المعمري، ذو الأصل الجزائري، الذي جاءت به سلطات الحماية إلى المغرب. ويروي البريطاني روم لاندو أن تكوين المولى محمد اقتصر على التعليم التقليدي العتيق، نظرا لأنه كان مستبعدا في البداية لتولي العرش.
كان السلطان مولاي يوسف في آخر أيامه مريضا، فاجتمع الصدر الأعظم محمد المقري سنة 1927 مع المقيم العام الفرنسي تيودور ستيك، وتحدثا عن مرض السلطان وتناقشا عن خلفه بعد وفاته، فكلاهما كان ضد الرأي الذي رشح فيه ابنه مولاي إدريس كوريث للعرش. فاتفقا أن من يتولى المنصب هو الأمير الشاب “سيدي احمادى”. وبعد وفاة السلطان مولاي يوسف، اجتمع أعيان الدولة في دار المخزن، وكان العديد من الفقهاء يعرفون بوصية السلطان مولاي يوسف بتوريث الحكم إلى ابنه مولاي ادريس، ومن بينهم قاضي القضاة محمد بن رشيد العراقي ووزير العدل عبد الرحمن بن القرشي وآخرون ممن تشبثوا بتنفيذ وصية السلطان مولاي يوسف، بالإضافة لحاجب السلطان التهامي اعبابو الذي كان غائبا ذلك الحين، فتصدى لهم المقري. فتم تنصيب محمد بن يوسف سلطانا على المغرب يوم 18 نوفمبر 1927م.
بعد أن أصبح سلطانا، قام بإحداث المعهد المولوي سنة 1942داخل القصر الملكي واستكمل فيه تكوينه اللغوي، وكان يحرص على حضور كل المحاضرات إلى جانب وليّ عهده مولاي الحسن. كان المعهد المولوي تحت مراقبة جامعة بوردو، التي منحت شهادة الإجازة في القانون للحسن الثاني، كذلك منحت محمد الخامس سنة 1950، شهادة الدكتوراه الفخرية. وكانت تلك الشهادة الوحيدة التي حصل عليها.
خطاب طنجة
بعد تعيين المقيم إريك لابون المقيم العام الفرنسي بالمغرب (2 مارس 1946 ـ 13 مايو 1947) خلفا لكَابريال بيو، أعلنت سلطات الحماية ولفترة قصيرة القيام بمجموعة من الإصلاحات الليبرالية. وتميزت هذه الفترة بإجراء إصلاحات في المجالين الاقتصادي والاجتماعي سواء في المدن أو البوادي، وذلك من أجل التخفيف من حدة الأزمة التي كانت الساكنة المغربية تعيشها في هذه المناطق. وقد خفت الحماية من تصعيد سياستها العنيفة ضد الوطنيين منذ وصول لابون إلى الرباط يوم 30 مارس 1946.
دفعت هذه السياسة بعض المؤرخين إلى اعتبار هذا المقيم العام الأكثر ليبرالية من ضمن كل نظرائه الذين تعاقبوا على السلطة في فترة الحماية على المغرب. إذ قام بحملة سياسية تجاه إطلاق سراح بعض المعتقلين من الوطنيين وتحرير الصحافة بالسماح بتأسيس أربع جرائد وطنية وإلغاء مديرية الشؤون السياسية. ففي هذه الأجواء عاد الزعيم الوطني علال الفاسي من منفاه بالغابون.
كانت هذه السياسة التي بوشرت منذ سنة 1946 قد استقبلت بنوع من الارتياح من طرف بعض الوطنيين، ولكن غالبيتهم قد اعتبرها غير كافية مادام أنها لم تأت بجديد في مجال الاعتراف بحق المغرب في الاستقلال. لهذا السبب فشلت مبادرة إريك لابون بسرعة وانتهت برفض الوطنيين “التعاون” مع المقيم العام الجديد. وقد أقيل هذا الأخير بعد أن تمت المناداة عليه في فرنسا سنة 1947 ليعوض بالجنرال جوان. غير أن أهم مكسب للوطنية المغربية من هذه المبادرة هو خطاب طنجة التاريخي الذي ألقاه محمد الخامس يوم 19 جمادى الأولى 1366 الموافق 09 أبريل 1947. وقد قام بزيارة لطنجة ليؤكد للعالم كله أن وحدة المغرب غير قابلة للتجزيء.
المقاومة المسلحة
إن المحاولات التي قامت بها فرنسا للوصول إلى تنحية السلطان محمد الخامس قد انتهت بالفشل. لقد قامت سلطات الحماية بمباشرة المفاوضات منذ فبراير 1955 مع السلطان محمد الخامس وصلت إلى حد تهديده حتى على أرض المنفى، فقد اقترح عليه المتفاوضون، بمن فيهم طبيبه الخاص الدكتور ديبوا روكبير، الخيار بين أمرين أحلاهما مر: إما التنازل عن العرش والعودة إلى أرض الوطن للعيش بسلام وفي حماية الفرنسيين، أو تشديد الخناق عليه في المنفى في حالة الرفض. وكان جواب محمد بن يوسف هو الرفض المطلق للمقترحات المفترضة.
وبموازاة أنشطة الحركة الوطنية، اندلعت أعمال المقاومة المسلحة المنظمة على شكل تأسيس جيش التحرير في 1 أكتوبر 1955 في مناطق أكنول وإيموزار مرموشة وفي تطوان حيث وجد مقر القيادة العامة ومركز تكوين الضباط. تم تأسيس جيش التحرير من قبل لجنة تحرير المغرب العربي بالقاهرة من أجل تنظيم حركة المقاومة المغربية وجبهة التحرير الجزائرية. وكان هدف هذه اللجنة هو العمل بكل الوسائل لعودة السلطان محمد الخامس بجانب تحرير البلدين الشقيقين، المغرب والجزائر.
تنحية ونفي محمد الخامس.
حينما اختار السلطان الامتناع عن توقيع الظهائر والمصادقة على قرارات الإقامة العامة واتجاهه العلني نحو اتخاذ موقف مساند لسياسة حزب الاستقلال، قررت سلطات الحماية تنحيته وتنصيب مكانه سلطانا مصطنعا يعمل كدمية تحت تصرفها. واستعانت من أجل ذلك بالأعيان الموالين لها والمجتمعين وراء الكلاوي باشا مدينة مراكش. فقد اجتمع يوم 20 مارس 1953 بالمدينة باشوات المدن المغربية الكبرى إضافة إلى عشرين قائدا، حيث حرروا عريضة تسير في اتجاه سحب الشرعية الدينية عن السلطان محمد الخامس كإمام.
في 8 أبريل 1954 في المنفى بمدغشقر، حمل محمد الخامس ستة من أبنائه السبعة إلى مصوّر في أنتاناناريفو؛ يظهر حوله من اليسار لليمين: للا عائشة، مولاي الحسن، للا مليكة، مولاي عبد الله (الملقّب بالأمير الوسيم) وللا نزهة، الملك يمسك فوق ركبته بآخر أبنائه،الأميرة للا أمينة.
بعد رفض السلطان محمد الخامس للإصلاحات المزعومة التي باشرتها سلطات الحماية وعلى إثر فشل المفاوضات مع المسؤولين الفرنسيين، لم يبق أمام السلطان إلا العمل على إعلان معارضته للتوجهات الفرنسية بقيامه بسن سياسة رفض التوقيع على الظهائر.
رغم أن الإقامة العامة تعهدت بالتطبيق الحرفي لمعاهدة الحماية الموقعة بفاس على أساس “مساندة جلالته الشريف وحمايته ضد الأخطار المهددة لشخصيته أو لعرشه والعمل على ضمان طمأنينة إيلاته” (الفصل الثالث من المعاهدة). لقد قرر الجنرال كيوم تنحية سلطان المغرب. وباتفاق مع الحكومة الفرنسية، أبعد محمد الخامس عن المغرب يوم 20 غشت 1953 على الساعة الثالثة بعد الزوال، حيث أقل هو وعائلته في طائرة عسكرية باتجاه كورسيكا قبل أن ينقل من جديد، يوم 2 يناير 1954 إلى مدغشقر. غير أن الحكومة الفرنسية انتقدت بشدة هذا الإجراء الذي اتخذه كيوم مما كلفه الإقالة وتعيين فرانسيس لاكوست مكانه سنة 1954.
أثناء فترة المنفى التي دامت من 20 غشت 1953 إلى 16 نونبر 1955، كان ولي العهد مولاي الحسن مرافقا محمد الخامس في كل اللقاءات التي كان يجريها، إذ قام فيها بدور المستشار. كما شارك في كل المفاوضات التي تمت بكورسيكا ومدغشقر وأيضا في النقاشات الرسمية وغير الرسمية.
اعتبرت عملية تنحية السلطان عن العرش من الناحية السياسية خطأ استراتيجيا. فرغم أن الإقامة العامة قد أضفت على الإجراء طابعا شرعيا بدفع بعض العملاء وبعض العلماء الأعيان إلى مساندة موقفها، فإن المغاربة لم يعترفوا بتولية ابن عرفة سلطانا. من الناحية السياسية الدولية، بدأت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا في التخلي عن سياستها المتحفظة تجاه ما كان يجري في المغرب. إذ بدأت الدولتان بإعلان معارضتهما للقرارات التي كان يتخذها المقيم العام جوان منذ بداية سنة 1951. ولم يعترف دبلوماسيو هاتين الدولتين بالعريضة التي وقعها الأعيان، إذ اعتبروها محاولة فقط من سلطات الحماية لإجبار السلطان على قبول مخططاتها وذلك بالتوقيع على الظهائر.
أما معارضة الدول العربية والآسيوية، فإنها تمثلت في شنها لحملة شرسة عبر الصحافة والإذاعة ضد الإجراء الفرنسي. فما إن أعلن عن نبأ تنحية السلطان حتى أدان زعيم الحركة الوطنية علال الفاسي عبر إذاعة القاهرة في برنامج صوت العرب إبعاد السلطان هو وعائلته عن الوطن. وأما جامعة الدول العربية، فقد عبرت عن تخوفاتها إزاء تطورات القضية المغربية وبدأت في الإلحاح على ضرورة استقلال المغرب.
منذ 21 أغسطس 1953، أظهرت 15 دولة عربية آسيوية عضو في هيئة الأمم المتحدة انشغالها بمستقبل الاستقرار السياسي بشمال إفريقيا بعد عملية نفي محمد الخامس. وعلى مستوى العلاقات السياسية بين فرنسا وإسبانيا، حدث الأمر نفسه.
فحسب الوفق الذي أبرم بين البلدين يوم 27 نوفمبر 1912، فقد حدد أنه يتعهد البلدان بالتزام ” الاحترام إزاء الإمبراطورية الشريفة”، في المنطقتين، الخليفية التابعة للحماية الإسبانية، والجنوبية، الخاضعة للحماية الفرنسية. وقد استقبلت عملية تنصيب سلطان جديد على المغرب بإسبانيا بنوع من الاستياء، إذ اعتبرته سلطات مدريد إعلانا لنوع من العداء ضدها. مما دفعها إلى تنظيم عملية توقيع عريضة مشابهة لتلك التي تمت بمراكش في المنطقة التي تخضع لسيطرتها. وتمكنت من جمع 430 توقيعا من باشوات وأعيان المنطقة الخليفية ركزت فيها على تثبيت فكرة ” تنحية السلطان الشرعي محمد الخامس، نتيجة للدسائس التي حاكتها الإقامة العامة ” ورفض ” سلطة ابن عرفة … والتي فرضتها فرنسا ضد إرادة الشعب المغربي”. ثم أعلنت العريضة “أحقية السيادة التي يتمتع بها المهدي بن إسماعيل على المنطقة الخليفية”، وذلك تحت إمرة سلطة فرانكو.
ثورة الملك والشعب
كان لنفي السلطان محمد الخامس أثر قوي في تصعيد المقاومة ضد المحتل. فالمظاهرات التي قام بها الشعب المغربي ضد المحتل، وبتأطير من حزب الاستقلال، أخذت تؤرق أكثر مما كان في السابق سلطات الحماية. فقد اندلعت انتفاضات قوية في مناطق متعددة من المغرب. وكانت أقوى انتفاضة هي تلك التي حدثت في وجدة يوم 16 غشت 1953، بتنظيم مناضلين من حزب الاستقلال. وقد طال الساحة السياسية المغربية نوع من الشلل والاضطراب الناتجين عن أجواء الاستياء العارم المصاحب لإبعاد السلطان عن البلاد. وقد قام الشعب المغربي بعرقلة إقامة حفل عيد الأضحى ضدا على إمامة السلطان الدمية لصلاة العيد ونحر الأضحية. إذ ظهر خلال المناسبة أن ابن عرفة غير مؤهل أن يكون سلطانا للمغاربة، لسبب بسيط هو أنه لا يتوفر على السلطة الشرعية التي كانت مجتمعة في شخصية محمد الخامس. لقد أحدثت إذن تنحية محمد الخامس انطلاق نوع جديد من المقاومة المغربية أعطى شكلا جديدا من الوفاء والارتباط بالسلطان الشرعي للمغرب.
مؤتمر إيكس ليبان
بعد اشتداد الأزمة السياسية بالمغرب، عقب الفراغ المؤسساتي الحاصل إثر رفض المغاربة الاعتراف بابن عرفة كسلطان، رضخت السلطات الفرنسية لمبدأ قبول التفاوض مع الشخصيات السياسية المغربية والممثلة للتوجة الراغب في تسيير المغرب من طرف أبنائه وتوجيهه نحو الاستقلال. ولذلك عقد لقاء بين الأطراف المغربية والفرنسية في مؤتمر إيكس ليبان بفرنسا، أسفر بعد نقاشات انطلقت يوم 23 غشت 1955 ودامت خمسة أيام عن اتخاذ قرار تنحية ابن عرفة عن العرش، إضافة إلى تشكيل حكومة وطنية مغربية تضم مختلف المكونات السياسية وذلك في أفق التفاوض مع الحكومة الفرنسية من أجل إدخال إصلاحات على نظام الحماية. وكان الوفد الفرنسي المفوض الذي حضر مناقشات إيكس ليبان يتكون من ايدكار فور رئيس الحكومة والسيد بيناي، وزير الشؤون الخارجية والجنرال كوينغ وزير الدفاع وروبيرت شومان وبيير جولي.
بينما كان الوفد المغربي يتشكل من 37 شخصية كان من بينهم مبارك البكاي، الحاج الفاطمي بنسليمان والحاج محمد المقري إضافة إلى ممثلي الأحزاب: عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازيدي وعمر بن عبد الجليل والمهدي بن بركة من جانب حزب الاستقلال، وعبد القادر بن جلون وأحمد بن سودة وعبد الهادي بوطالب ومحمد الشرقاوي من طرف حزب الشورى والاستقلال.
إلى جانب الشخصيات السياسية وجد بعض العلماء كالسيد جواد الصقلي وحميد العراقي.. كما ضم الوفد القائد العيادي وعباس.
استقبل السلطان في يوم 5 سبتمبر 1955 وفدا فرنسيا مفوضا يضم الجنرال كاترو وهنري يريسو، إضافة إلى الوفد المغربي المشكل من السيد مولاي الحسن بن إدريس ومبارك البكاي والفاطمي بن سليمان وعبد الهادي بوطالب وعمر عبد الجليل وعبد الرحيم بوعبيد. وجاء هذان الوفدان من إجل إبلاغ السلطان عن النتائج التي توصل إليها الطرفان المتفاوضان والحصول على التعليمات التي يجب اتباعها. وبعد مشاورات طويلة لعب فيها ولي العهد آنذاك مولاي الحسن دورا أساسيا في توجيه الموقف الذي اتخذه محمد الخامس من المخطط، وهو الموافقة على المخطط مع التحفظ بإعلان ضرورة بقاء مجلس العرش مؤقتا إلى حين عودة السلطان إلى أرض الوطن.
عودة محمد الخامس
إن قرار الإقامة العامة بنفي السلطان محمد الخامس، والذي تم في فترة متزامنة مع مناسبة الاحتفال بعيد الأضحى، قد أدى إلى انتشار سخط عارم وسط الشعب المغربي. وفي هذا السياق، اندلعت أحداث دموية في العديد من المدن والبوادي. وأمام شراسة المقاومة، لم يجد الفرنسيون بدا من الرضوخ لفكرة إعادة السلطان الشرعي محمد الخامس إلى بلده والعدول عن فكرة إبعاده عن العرش. وفي هذا الإطار عاد محمد الخامس إلى المغرب يوم 16 نوفمبر 1955.
قام مبارك البكاي يوم 6 نوفمبر 1955، تحت إمارة السلطان محمد الخامس بتشكيل أول حكومة وطنية. وكان الهدف الرئيسي لهذه الحكومة هو متابعة المفاوضات مع سلطات الحماية من أجل استرجاع استقلال البلاد، إضافة إلى بناء الدولة المغربية وتنظيمها. وقد كثف من أجل ذلك السلطان محمد الخامس وبجانبه ولي العهد آنذاك، مولاي الحسن مجهودات جبارة ومتواصلة، أثمرت بتوقيع عقد الاستقلال في يوم 2 مارس 1956 بالكي دورسي.
مباشرة بعد استرجاعه لمنطقة الحماية الفرنسية، وجه محمد الخامس مجهوداته نحو استكمال الوحدة الترابية بإعادة الجيوب المتبقية تحت الاحتلال إلى المغرب. وفي هذا الإطار فتح مفاوضات مع إسبانيا انتهت بتوقيع معاهدة مدريد التي وضعت حدا للحماية الإسبانية في المنطقة الشمالية يوم 7 أبريل 1956. وباستعادة هذه المنطقة من أرض المغرب، يكون محمد الخامس قد أزال الحدود الوهمية التي وضعتها كل من فرنسا وإسبانيا بالمغرب طيلة 43 سنة بين المنطقتين الخليفية والجنوبية.
وفاة محمد الخامس
ضريح الملك محمد الخامس بعاصمة المملكة المغربية الرباط
سقط الملك محمد الخامس مريضا بنزيف في انفه، أدخل بسرعة إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية وُصفت بالبسيطة. لكنه توفي في اليوم الموالي فجأة في شهر رمضان من سنة 1961 وسنه لم تكن تتجاوز الثانية والخمسين عاما. شكك بعض المؤرخين في رواية وفاة محمد الخامس وأسردوا العديد من الروايات، مثل تلك التي أوردها المؤرخ عبد الكريم الفيلالي، الذي شكك في الوفاة الطبيعية”، كما شكك القيادي في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية “الفقيه البصري، في برنامج بقناة الجزيرة في الرواية المُساقة رسميا عن موت محمد الخامس.
روايات عديدة تذهب للقول بحصول أخطاء طبية أثناء الإعداد للعملية الجراحية التي أودت بحياته. حيث يعتقد أنه كان مصابا بورم في منطقة الأذن، فقد كان يعاني باستمرار من آلام مبرحة، ولا يطيق الصخب من حوله. نصحه الأطباء بعدم اللجوء إلى التدخل الجراحي، ولكن الألم الشديد جعله يقرر الخضوع لعملية جراحية في يوم 26 فبراير 1961م وتم إجراؤها في مصحة القصر الملكي بالرباط، بدون حضور طبيب مختص في القلب، بل فقط بحضور طبيب مختص في أمراض الأنف والأذن.
المكانة التاريخية والمعنوية
يعتبر السلطان محمد الخامس شخصية متميزة في تاريخ المغرب والمغرب العربي الحديث وإفريقيا بشكل عام. شخصية يغلب عليها الجانب الإنساني والروحي في علاقته مع الشعب والأمة المغربية، نظرا لمواقفه الإنسانية والوطنية وللظرفية التاريخية والجيوسياسية التي كان يمر منها المغرب والمغرب العربي والعالم العربي وإفريقيا بشكل عام.
مواقف إنسانية وتاريخية مشرفة، خلصت إلى توحيد المغرب الذي كان ممزقا بين الحماية الثلاثية على المغرب (1912 – 1956)، إضافة إلى الدعم غير المشروط لإستقلال الجزائر والكثير من المواقف الإنسانية المختلفة، ومن بينها جهوده في إنقاذ المغاربة اليهود وغيرهم من جاليات الدول الأخرى (الفرنسيين اليهود) في بلاده، في وقت كانت فيه الأقليات الدينة اليهودية في أوضاع مزرية في كثير من بلدان العالم، حيث ينظر إليهم في كثير من البلدان مجرد عبء وأقليات ثقافية لا تنتمي للدولة وخطر محدق بها. حيث عمل السلطان محمد الخامس على مقاومة مطالب المقيم العام الفرنسي (خلال حكومة فيشي الفرنسية)، رغم أن المغرب آنذاك تحت الحماية الفرنسية كان في موقف ضعف، كما قام بزيارة خاصة لملاح الدار البيضاء، إثر إقصاءهم من المساعدات التي كانت تقدمها فرنسا أثناء الأزمة الغذائية في المغرب.
كان السلطان محمد الخامس يتمتع باحترام وحب عفوي من الشعب المغربي بمختلف أطيافه ومكوناته، وتعتبر فترة حكمه نموذج يحتدى به في السلم المدني والتعايش السلمي. وكانت الصورة التي ارتسمت من خلال سيرة محمد الخامس من تاريخ المغرب خصوصا وعلاقته بشعوب المغرب العربي وإفريقيا عموما، بمثابة أب الأمة، تلك الصورة التي تكرست أكثر بعد حادثة النفي إلى مدغشقر إلى يوم رحيله في العاشر من شهر رمضان من سنة 1961 عن عمر الثانية والخمسين عاما.