بهت لون مدينة أصيلة في الحاضر بعدما كان بالأمس يشع تلألأ وجمالا، فقدت أصيلا الكثير من مظاهر الحسن وتحسر على هذا الفقدان كل محبيها والعارفين بما كانت تتميز به من خصائص جمالية تسحر العين وتأسر القلب.
تشهد مدينة أصيلا اليوم تراجعا كبيرا على عدة مستويات، وبدل أن يكون حالها قد تحسن عن ذي قبل، حالها لا يزداد إلا سوءا مع التقصير الكبير من طرف القيمين على تدبير شأنها العام، ومع تملص المسؤولين من مسؤولياتهم وتركها تتخبط في ويلاتها دون تدخل بالمعالجة والإغاثة والتأهيل ..
إن أول ما يثير انتباه الزائر لأصيلا هو سوء تدبير قطاع النظافة، ولا يكاد امرؤ يصدق هذا التحول الذي نزل بالمدينة إلى الحضيض وهي التي كانت يضرب بها المثل في النظافة بين المدن، فحاويات الأزبال حين تملأ تترك كذلك دون تفريغ، تنضاف إليها قاذورات وقاذورات ولا من مكترث للوضع، والقمامات ببعض الشوارع إن أفرغت لا تنظف فتنبعث منها روائح كريهة تلوث الأمكنة، وهذا لم يكن معهودا بأصيلا.
انتشار الطحالب بشواطىء المدينة يعكس وجها آخر من أوجه عدم التحلي بروح المسؤولية وعدم الاهتمام بالنظافة والتطهير في أصيلا، علما أنها مدينة شاطئية بامتياز، و سياحية تنشط صيفا ويقصدها الزوار والسياح من مختلف المناطق، وكان الأولى التركيز على هذا الأمر وأخذه بعين الاعتبار مع الحرص عليه، سيما وأن أصيلا تمتلك مؤهلات طبيعية إن استغلت ومنحت حقها في العناية وحسن الاستغلال لتبوأت أعلى درجات التقدم بين المدن المتحضرة وطنيا ودوليا.
شيوع العربات المجروورة ( الكارو ) بطرقات المدينة وما تخلفه من روث أساء للمنظر العام بأصيلا، وغلب طابع البداوة على طابع التحضر وكون المدينة تشهد إقبالا من طرف السياح الأجانب والمحليين. وما زاد الطين بلة، مباشرة الأشغال العمومية بأرجاء المدينة من حفر وهدم وترميم وإعادة بناء و .. و … مما شكل إزعاجا كبيرا للوافدين على المدينة، واضطرهم لطرح السؤال: لماذا لا تباشر هذه الأشغال في باقي الفصول على الأقل تكون المدينة فارغة إلا من أهلها، والفرص مواتية لإنهاء ما يلزم إنهاؤه، حتى إذا شكلت المدينة وجهة للراحة والاستجمام والاصطياف للعوام نجحت في تحقيق ذلك بدل التذمر من الحال الذي يجدونه عليها؟
تغيب المراقبة بأصيلا، وتشيع الفوضى وترتفع أسعار المواد الاستهلاكية بها ارتفاعا صاروخيا جراء جشع بعض التجار وانجرافهم وراء الكسب السريع، أثمنة لا معقولة تشهر في وجه المتبضعين الجدد الذين حلوا بالمدينة، مما يدفع فئة منهم إلى الهرولة إلى طنجة وباقي المدن المجاورة لأصيلا واقتناء ما يشاؤون من أسواقها الممتازة والعادية وشراء ما يحتاجون من ضروريات بالكمية التي يحتاجون وبالسعر المعمول به في أرجاء المملكة، فيما تتوعد فئة أخرى بعدم العودة لأصيلا وتغيير الوجهة نحو مدينة شاطئية سياحية أخرى بسبب هذا الغلاء الفاحش في أثمنة المواد والمنتوجات وغياب أي رقيب أو حسيب.
أما سائقو سيارة الأجرة، وبرغم قلتهم وضعف توفرهم بالمدينة فإنهم يسيئون التعامل مع المواطنين، ويرفضون نقلهم إلى وجهاتهم المطلوبة، ويشترطون مبالغ خيالية وإن قصرت المسافة، كما أنهم لا يقبلون بحمل ثلاثة ركاب من عائلة واحدة، ويسنحسنون راكبا واحدا أو راكبين على أكبر تقدير، وإن نقلوا ثلاثة ركاب يكون الواحد منهم غريبا عن الآخر وله وجهة مختلفة عن غيره كي يحقق السائق الربح السريع دون اهتمام بخدمة المواطن أو مصلحته.
محطة القطار بمدينة أصيلا تعاني هي الأخرى من نقص التجهيز، ينقصها الأمن وإصلاح المعابر إليها، ورغم أنها تطل على وجهتين إحداهما على البحر، ويستعملها كثير من القادمين إلى أصيلا، إلا أنها تشكو التهميش التام ويظل بابها مقفلا مما يجبر المسافرين على القفز من بعض النوافذ الموجودة إعلانا لدخولهم المحطة أو مغادرتهم لها.
هي ذي بعض ملامح أصيلا الباكية المبكية اليوم، الباكية على ماضيها الجميل المبكية لعشاقها ومحبيها، أصيلا التي كانت منبعا للخير والرزق، ووجهة محببة للغني والفقير، بات حاضرها يئن ويشكو والشكوى للخالق سبحانه أن يصلح أوضاعها، وتصحو ضمائر مسيريها ويشفقوا عليها مما آلت إليه، فيعيدوا إليها ألقها وبهاءها المفقود.