بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم .
سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون .
ستبدأ رحلة أبي العيال انطلاقا من مطار محمد الخامس بالدار البيضاء المغربية، مرورا بفرانكفورت الألمانية ، وتورنتو الكندية ، ووصولا إلى مدينة فانكوفر على ساحل المحيط الهادي ؛ثم استئناف الرحلة من فانكوفر في أقصى الجنوب الغربي لكندا في اتجاه ولاية ألاسكا الأمريكية في أقصى الشمال.
فإذا كانت العادة أن يتنقل المسافر من مدينة إلى أخرى ، أو من دولة إلى دولة ، فإن أبا العيال عابر للقارات ، فمن أفريقيا إلى أوروپا ومنها إلى أمريكا .
سيحاول نشر مذكراته محافظا على كرونولوجيتها غالبا ، لكنه سيستطرد بين الفينة والأخرى مسترجعا أو شارحا أو مستدركا كثيرا أو قليلا ، ويرجو ألا يكون عليكم ضيفا ثقيلا.
قطار وايت پاص ( White Pass ) ( الحلقة 28)
اكتُشِف الذهب في منطقة كلوندايك ( Klondike ) شمال كندا، وقريبا من ولاية ألاسكا الأمريكية، وهب المغامرون أفواجا، والتمسوا للذهب سبلا وفجاجا، ولكنهم صادفوا حُزوناً واعوجاجا. وبعد أن أرشدهم سكوكم ( Skookum ) إلى الطريق المختصر استعملوه برغم الصعوبة والخطر، وتُحكَى قصص يشيب لها الولدان، نذكر منها سقوط ثلاثة آلاف حصان، نفقت في المنزلقات والوديان .
كل هذا من أجل الذهب، بل لمجرد الاقتراب من مناجمه، فقد كانت القوافل تستريح أياما، وأحيانا شهورا في مدينة بينيت ( Bennett ) التي أسست أيضا في هذه الفترة ( 1897 /1899)، يستريح المغامرون الذين يصلونها من سكاغواي ( Skagway) الألاسكية بعد أن استعملوا أحد الطريقين، طريق وايت پاص المختصر والخطير، أو طريق شلكوت پاص ( Chilkoot Pass ) الطويل اليسير .
ويتمكنون خلال مدة إقامتهم في بينيت من صنع قوارب بأنفسهم أو شرائها من النجارين، وبهذه المراكب ينزلون عبر نهر يوكون ( Yukon ) إلى أن يصلوا إلى مدينة وايت هورس ( White Hors )، ومنها إلى عاصمة الذهب مدينة داوسون ( Dawson ) عند ملتقى نهري يوكون بكلوندايك .
في هذه الفترة وطلب الوصول إلى الذهب على أشده ،طرأت على بال مستثمرين اثنين مغامرين فكرة مد خط للسكك الحديدية يربط بين سكاغواي في ألاسكا ،ومدينة بينيت ، على الحدود بين مقاطعتي كلومبيا البريطانية ( B.C. ) ويوكون لمسافة 47،6 كلم. والمسافة ـ على ضآلتها ـ صعبة جدا .
جاء أحد المستثمرين من نيويورك، والآخر من لندن، واتفقا مع مهندس للسكك الحديدية بعد أن أغرياه بسخاء اليد، واشترط عليهما توفير القدر الكافي من الديناميت، والذي كان ألفرد نوفل ( Alfred Nobel) قد اخترعه حديثا، فوفرا له أطنانا منه، واستعمل المهندس الصينيين الذين يتحملون العمل في مثل هذا المناخ والتضاريس، واكتمل المشروع سنة 1900، أي بعد نهاية حمى ذهب كلوندايك بسنة، لكن القطار بقي يستعمل في السياحة، يحمل السياح من سكاغواي، ويقطع بهم معبر وايت پاص، فيتملون بالمناظر الخلابة من دير الجبل الشاهق، وحتى الثلج لم يعد بالعائق، إذ الآلة الكاسحة تكسره في دقائق، يضعونها في مقدمة القاطرة فتفتت كتله، وتشتت ندفه؛ وما زال القطار ـ إلى اليوم ـ يستغل سياحيا وفلكلوريا، وهو يعمل بالقوة البخارية، وبوقود من الحطب، كما كان يوم اخترعه ستيفنسون أول مرة، ولتعرفوه ألقوا على الصور والفيديو نظرة .