ــ اشتهر بفصاحة القول، وبلاغة الخطاب، وحسن التعبير على شفاه الميكروفون، وانتشر صدى بلاغته على المنابر، فاستعان به كثير من أصدقائه في إعداد كلمات مداخلاتهم وكلماتهم في بعض المحافل الاجتماعية، والمناسبات المهنية، واللقاءات السياسية، والأعياد الوطنية، واستجابة لرغبة زملائه وأصدقائه كتب الأستاذ محمد الموذن عددا غير قليل من الرسائل والخطب السياسية، أثارت الاهتمام، وغيرت أحيانا الموازن، سنشير إلى بعض منها فقط:
ــ طلب مني أحد رجال الأمن أن أعد له تقريرا كل يوم حول ما يعاينه ويشاهده ويصل إلى علمه من أحداث ذات قيمة استخبراتية، فقد كان يمدني صباح كل يوم بما توفر له من معلومات، فأحرر بناء على ذلك تقارير يقدمها صديقي إلى رئيس مفوضية الشرطة، فيثني عليه، فيمتعض صديقي من ذلك، لأنه رفض سلفا أن يتحمل هذه المسؤولية، مفضلا البقاء في مهمته كشرطي مرور، وعندما توسطت له عند صديقي رئيس المفوضية لإعفائه من هذه المهمة، قال لي السيد العميد: إن تقاريره هي أحسن ما يقدم لي صياغة وبناء ووضوحا، وبعد أشهر قليلة تم إعفاء صديقي الشرطي من طرف الإدارة المركزية، ليعود لمهمته الأصلية في شرطة المرور والجولان.
ــ كلمة أبكت واستبكت: طلب مني صديقي أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي أن أكتب له كلمة شكر وامتنان على لسان أبيه المحتفى به من طرف أسرة التعليم، بسبب إحالته على المعاش، وأن تكون كلمة الرد على مجموع الكلمات المقدمة من طرف زملائه في سلك التعليم، وأطر النيابة الإقليمية، إشادة بمسيرته التربوية والإدارية المتميزة، والموسومة بالإخلاص في العمل، والتضحية المهنية، وأن تكون خير ختام للحفل التكريمي المنظم على شرف السيد المدير للمدرسة العمومية، وقد كان الأستاذ الإبن وجد صعوبة وإحراجا في تقمص شخصية أبيه، وخاصة في هذا الموقف المهيب، الذي يفصل بين مرحلتين من عمر المتقاعد.
سألت صديقي بعض الأسئلة، لتكون الأجوبة عنها ضمانة لإعداد كلمة مناسبة للمقام والمقال، وسألته مازحا: هل تسمح لي أن أبكي أباك على منبر الخطابة؟، فأجاب مبتسما: لا بأس أن يدرف دمعة أو دمعتين، فأعددت له كلمة مؤثرة، وبعد أن توالى على منصة الخطابة مجموعة من أصدقاء السيد المدير، وممثلي جمعية الآباء والأمهات وأولياء أمور التلاميذ، والنيابة الإقليمية لوزارة التعليم والتربية الوطنية، جاء دور الأب، المحتفى به ليرد على شهادات المتدخلين، ويشكر الحاضرين على حسن تكريمه وتوديعه، وما أن تلا نصف الكلمة حتى سالت دموعه بغزارة، وبكى بكاء شديدا، حال بينه وبين إتمام كلمة الشكر والامتنان، وجعله في موقف صعب وحرج، وفي اليوم الموالي جاءني صديقي معاتبا: إنني وافقتك على أن تسقط من عني أبي دمعة أو دمعتين، لا أن تدغدغ مشاعره، وتعصر أحاسيسه، وتسيل دموعه بغزارة، كاد أن يغمى عليه، ويفقد صوابه واعتباره.
ــ كلمتان من قلم واحد تصطدمان في منبر السياسة: عشرات الكلمات التي أعرتها لأصدقائي يلقونها في مختلف المناسبات الاجتماعية، والاحتفالات الوطنية، واللقاءات السياسية، والطريف في الأمر أنني أعددت ذات يوم كلمتين لصديقين،أحدهما ينتمي إلى فريق الأغلبية في المجلس البلدي، والآخر عضو في المعارضة في ذات المجلس، وقد حضرت دورة أكتوبر كعادتي بصفتي صحافيا ومراسلا لجريدة الميثاق الوطني، ولعلمكم تتميز دورة أكتوبر عن باقي دورات المجلس كونها أكثر حدة وأهمية، تناقش فيها ميزانية الجماعة المحلية، وتطرح فيها الأسئلة الشائكة والحرجة والملغومة، فتتصدى لها الأغلبية لأبطال مفعولها عن طريق سلاح التصويت.
تم افتتاح الدورة بكلمة السيد الرئيس، تطرق فيها بإسهاب إلى منجزات المجلس البلدي على الورق، وعلى أرض الواقع، وتحدث كذلك عن المشاريع المستقبلية بتفصيل زائد، وصال وجال في ميدان لا ينازعه فيه منازع، وبعد أن نزل الفارس عن صهوة جواده، رقصت فرائس وجهه فرحا وابتهاجا بتصفيق أعضاء فريقه، وموظفي الجماعة دعما لمشروعه، وطمعا في إتاواته وصكوكه وعطاياه. تحرك مثلث المعارضة، المتعدد الألوان والأطياف، وتقدمت ميسرته عن ميمنته، ورمت الرئيس وحاشيته بنبال الاتهامات، وسهام التقصير، قبل أن ترد عليها الأغلبية أحيانا بالبراهين الواهية، وأحيانا أخرى بالحجج الدامغة.
وعلى الأثير تصادمت الكلمات الناعمة والعبارات الخشنة، ومع الأسف كنت أنا أحد صناعها، تقمصت دور الموالاة، فتفننت في تشكيل صورة بهية للعمل الجماعي، وإنجازات الأغلبية، ورسمت أفقا ورديا لمستقبل المدينة، وكم كنت قاسيا كذلك في انتقاد أداء المجلس البلدي، المستأثر بقراراته، الرافض لأي شكل من أشكال التعاون مع فريق المعارضة، كلمتان توضحان لمتتبعي الشأن المحلي مستوى النقاش الحاد، والمسؤول بين قطبي الأغلبية والمعارضة، أما عبد ربه فكان يجسد الازدواجية في التعبير لا في المواقف، أمين في تقمص شخصية أولائك وهؤلاء، ولا يعبر من خلال الكلمتين عن انتمائه السياسي، هو يمارس الصياغة، وفن الخطابة بالوكالة، استجابة لمواثيق المودة والصداقة.