الى
عبد السلام الجلولي
والأرواح الطيبة:
محمد عابد الجابري- عبد الله البعض- محمود درويش- عبد الخالق دغاي – ادوارد سعيد- محمد الزاوية صاكالا- محمد الشلي- مهدي المنجرة- عادل الخمليشي- سميح القاسم- محمد القرقري.
1)- المزمار الأول:
والدي الميت
أنت الآن تحلم
و تصحو مفزوعا
لأن امرأة فاتنة
مرت في شوارعك الفارغة.
تصحو مفزوعا
لأن مطرا رشيقا عاريا
يراقص امرأة سوداء
على أفاريز بيوتك المهجورة.
تصحو مفزوعا
لأن حنينا كضربة سيف
ينام الى جانبك،
تحت ملاءات من تراب.
تصحو مفزوعا
لأن الشمس و الأعراس
و مدارات برج العذراء
وكتاكيت الليلة الفائتة
انزلقت في الوحل
و رحلت معك عبر دهاليز من ضباب…
2)المزمار الثاني:
بعد رحيلك،
حجرتك الآن فارغة
إلا من عصاك – رجلك الثالث،
و بقايا أنفاسك الأخيرة
و قهوتك السوداء المرة
على المائدة
في فنجان منهار.
بعد رحيلك،
حجرتك الآن فارغة
إلا من ملابسك – صارت أسمالا مهملة.
وبعض علب الدواء
وأنابيب الانعاش و الأوكسجين
التي نقلت أوجاعك عبر القوارير و العروق.
و بقايا نظراتك الأخيرة,
مشدوهة خاوية واسعة.
تلفها ذكرى لحيتك البيضاء العظيمة.
و أنينك المجيد, مثلك ,تقوس ظهره،
متعبا
من الارتقاء
الى السماء.
بعد رحيلك
حجرتك الآن فارغة,
إلا من بقايا آلآمك
عالقة على جوانب السرير
والجدران،
وبقايا جراحك ، من دونك
تحوم هائمة في الأنحاء.
بعد رحيلك
انطفأت شمس داخلي
و لم يتبق لي
سوى شمس واحدة
يوما ما ستطفؤها رياح ذكراك
3) المزمار الثالث:
بعد عام من النسيان
اشتد بي الوجع فجأة.
فحلمت أني جلست عند شاهدة قبرك
و بكيت بمرارة كما يبكي الرجال في الخفاء.
و فجاة نفخت فيك من روحي
و أعدتك الى الحياة.
ثم بدأت سعادتي معك من البداية.
فرحت من الفرح أحوم حولك مثل الفراشات
أغسل جسدك في الحمام
بشلال من ماء و دموع
و أجفف ذراعيك الفتيتين بالفوطة .
تركض هاربا و أنت تضحك
فأجدبك و أمشط شعرك،
ألبسك ثيابا بيضاء نظيفة،
و أرفعك عاليا
وأتلقفك صغيرا في الهواء
صغيرا كقرص عسل…
حلمت أني أمسكك من معصمك
لأعلمك كيف تمشي و لا تتعثر
و كيف تتجنب الحفر و المنحدرات.
و حين تعثرت بكيت
و مسحت دموعك بالمنديل المطرز نفسه
الذي كنت تمسح به دموعي حين كنت طفلا
وحين أردت ان تتبول
غسلتك و وضعت الحفاظة بين فخديك
و كعكة صغيرة بين شفتيك
و علمتك كيف تتهجى أسماء
الأشياء و الطيور,
هكذاعلمتك… بعد فوات الأوان
صرت لك أبا و صرت لي طفلا
أعبر بك الأزقة و متاجر اللعب
تنام على صدري فأطوقك بدراعاي
وأركب بك القطارات و الحافلات
دائما معا
في الشواطئ معا وفي سرير النوم معا.
في السينما و صالونات المقاهي
دائما معا………بعد فوات الأوان.
4)المزمار الرابع
أيها العزيز,لاتفزع.
كوابيسك صارت عطرا وضوءا
بعينيك أرى اليوم كل شيء.
مخاوفك استحالت مزهرية للنجوم
و كما قلت لي ذات يوم
فوراء كل نزول ثمة صعود.
ثمة ارتقاء بعد كل سقوط
نحو الله.
ربما… نحو الخلود.
سواء على الارض أو هناك في السماء
فحياتك أو موتك
دائما أوسع من الحياة.
الشمس تحبوا في فناء الفجر.
مثل كتكوت أصفر صغير،
تنمو الشمس في الريش الدافئ.
حنونة كثلاث بحيرات على شاطئ
تنمو الشمس كأغنية
كقرص أصفر حائر
يتحدث الى المدينة.
في دمك تنمو الشمس
قبل غروب المساء
في موتك تنمو كإكليل من صمت
تعزفه وحدك
في ظلال سماوات بعيدة…..
والدي الميت.
قبل أن ألج صباحك
سأنزع حدائي،
بساط قلبك صار مسجدا
تترقرق فيه همسات خافتة
لملائكة خفية.
قبل أن ألج صباحك
قبل أن أقول :صباح الخير سيدي عبد السلام
سأغسل فمي بالفراشات المعطرة
سأغسل فمي,ليس بالقصائد المبللة،
ليس بماء الذهب
و لا بكلمات التوراة و الانجيل
بل بكلمات قلتها لي ذات يوم
عن دورات الألم و الأمل
عن الصعود بعد كل نزول
سأغسل فمي با لفراشات
و بصابون الهواء
لأن يد الله
تمسد لحيتك الصباحية البيضاء
تسكب شعاعا عمره ألف عام
في عيون حزنك المتداخل كأشواك العليق.
أيها العزيز،
ضع يديك الباردتين طويلا بين يدي
أنظر عميقا في عيني،
في نظراتك أرى الله… بكل بهائه يبتسم،
ويعد الناس بالبشائر والعصور الأنيقة.
كوابيسك كبرت أشجارا وهواء
وعلى قمة الجبل أجلس معك
روحك تغني لروحي:
الاهي،
يا من تحمل بأناملك الفرشاة الخضراء
كيف استطعت أن ترسم الكون
بكل هدا الطلاء الزاهي؟
بكل هدا الضوء المتدفق من ظلمات الضوء؟
لاحسرة ولا فزع
فحتى الليل والظلام
حتى الوجع ينخر العظام
حتى القبر والثقوب السوداء
حتى الموت مجرد ضوء…
…….مجرد ضوء………