عاكست طبيعتها المألوفة، صار لها صوت يسمع دوي صخبه في كل الأمكنة. ما أخرس ضجيجها ضعف ولا مرض ولا تعذيب ولا تقتيل. صخور تكلمت، والعهد بها صخور لا تنطق. ذابت كتلة الإحساس التي ارتبطت بوجود الإنسان ارتباطا وثيقا، رحلت مثلما ترحل كل الأرواح، حين تقضي أجلها، عاصفة هوجاء هبت تنذر بتغير الأحوال ..
ها هي ذي رمال القسوة تعمي العيون، وآثار أقدام الرحمة عند الرحيل مرسومة. ها هو ذا الألم يبني مستعمرات داخل كل المباني الإسمنتية والبشرية، يرفع راية جديدة بألوان مختلفة لا صلة لها بالراحة والهدوء. ها هو ذا البعد قد تسلم سلطة الحكم، فسارعت الجموع لمبايعته تملصا من كل المسؤوليات، ظنا منها بفعلها ضمنت حياة هنية، وهيهات هيهات ..
حتى الأمان، اقتلعت جذوره، وقصت جناحاه، وأضحى غير قادرعلى احتواء أحد. الناس في حيرة، كل يشكو حاله في سيناريو خاص، مستفهما عن مكان تواجد المشاعر الإنسانية النبيلة المختفية. البحث جار في أغوار أفئدة بشرية، والجواب يفيد بأن الأبواب مقفلة الإحكام، لم تكن وحدها على هذا الوضع، بل حتى أفئدة الباحثين كانت على شاكلتها.
فازت الصخور بأعلى نسبة تصويت، فتمكنت من الأخذ بزمام الأمور في أريحية تامة، اعتلت عرش اللاإنسانية، واستحوذت على خزينة المال بهدف تسخيره في قضاء رغبات ذاتية وإرضاء نزوات فردية، ومن ثم تكوين ثروات، والقذف ببقية الهياكل العظمية الآدمية في جحيم الفقر والتهميش .
أفرزت الصخور الناطقة براكين، تفجرت عنها جرائم لا حدود لها، وأنتجت زلازل فضائحية اهتز لها النفوس، وأثمرت فيضانات أهلكت الحرث والنسل، وأضاعت مفاتيح النجاة، فضاع من خلفها الإنسان، وسكن المسنون دور العجزة رفقة الوحدة والغربة، عوض أن يسكنوا بيوتهم الدافئة. وظل المرضى ممدودي الأيدي من دون مصافح، حتى تساقط منهم من تساقط، وبقي من لايزال يصارع الوجع والوهن إلى موعد غير معلوم، وطرحت أجنة بالشوارع من دون رأفة باللحم الطري البريء، واشتكى الطريق من أطفال تائهين لا مأوى لهم، وصمت آذان من تأثير صراخ المعذبين في الأرض بذنب وبلا ذنب…
إنها الصخور الناطقة، نطقت وليتها ما عرفت سبيلا للنطق، نطقت وها هو نطقها لا يجر سوى المتاعب والخراب.