يتفق الجميع على أن الجهل مصيبة عظيمة ، يترتب عنها العديد من السلوكات التي تسيء للمصالح العامة ، فتؤذي الفرد في علاقته بالجماعة ، وتغرق صاحبها في وابل من الأفكار المغلوطة التي لا صلة لها بالواقع الحي ، فتجعله يتخبط في سلسلة صراعات لا متناهية مع الذات من جهة ، ومع المحيط من جهة ثانية .
فكلما احتد شيوع الجهل بالمجتمعات ، كلما ارتفع معدل التخلف و التأخر وسجلت درجات عالية في تدني مستوى التنمية، ومجاراة التقدم و التطور . جهل البعض من الناس قد تمحوه بضعة خطوات يسلكها من يريد التنوير و التصحيح، و توضيح الرؤية لهم بإزالة الغموض وكشف الظلام الذي ينساقون فيه من غير وعي ، وجهل البعض الآخر يصعب جدا على المرء أن يخلص المتمسكين به من الوحل الذي يعلقون به ، سيما عندما يلمس نوعا من التعصب و الاندفاع و الميل الشديد اليه، دونما رغبة أو إرادة في التغيير أو التحرر .
مظاهر الجهل تتجلى بلا منازع في انتشار معالم الشعوذة و السحر، و الشرك بالله ، والإقبال على الأضرحة لممارسة طقوس غريبة ، الهدف منها سؤال بعض الأولياء – الموجودين في عالم الغيب – قضاء بعض الحاجات التي هي بالأساس من اختصاص الحق جل وعلا دون سواه . كما نجد لها حضورا في قلب كل المفاهيم الصحيحة الى النقيض ، مع الباس مجموعة من المبادىء و القيم لباس القدم و الرجعية، واستبدالها بمفاهيم أخرى مستوردة من ثقافة غربية صرفة ، لا شأن لها بالهوية العربية الاسلامية التي نشأ عليها صغيرنا قبل كبيرها منذ عهود مضت .
مظاهر الجهل تتمثل في صياغة أساليب مجتهد فيها للنصب و الاحتيال على فكر أناس بسطاء، يتصارعون طول الوقت من أجل الحصول على لقمة عيش ، ولا يجدون وقتا لمواكبة ما يدور حولهم من تطورات الأحداث على مختلف الأصعدة ، حيث يشكلون بذلك لقمة صائغة بأيدي من قصدوهم للعبث بعقلياتهم دون شفقة ، غافلين عن أن قمة الجهل هو أن يستخدم المرء جاهلا بأمر ما ، ويستعين به في جلب منفعة خاصة تدر عليه كما من الفوائد التي ينعم بها وحده ، اذ تنتهي صلاحية المستخدم و المستعان به فور قضاء المطلوب ، من غير اعتبار لوجود رب رقيب حسيب حاضر يعاين سلوكات هذا وذاك ، ليتحقق الجهل هنا في أسمى معانيه .
لا تحصر مظاهر الجهل في صورة أو ثلاث ، بل تتعداها الى أكثر من ذلك ، واذا كان هناك من يتصدى لهذا الوباء الذي لا تجني منه المجتمعات سوى الويلات و المتاعب ، ويكرس جهوده للتقليص منه عن طريق السعي الحثيث لنشر مختلف أوجه المعرفة و التثقيف و التنوير ، فان هناك من له مصلحة في أن يظل الجهل سائدا بالساحة ، لأنه يمكنه من تحقيق عدة أغراض شخصية بيسر ، حيث يكون بمقدوره استعمال كلمات بسيطة يضحك يها على عقول سذج ، أخلصوا للجهل في سبيل نيل المراد .
طبعا مثل هذا الواقع لن يرضي من له غيرة على مجتمعه ومحيطه و أرضه ، لأنه يجعل من هذا المجتمع و المحيط والأرض مسخرة يتضاحك بها الناس في المناسبات و غيرها ، فيقلل من مكانتهم ويؤطرهم على الدوام في خانة لااعتبارية لسبب بسيط ، يكمن في أن الجهل قد بسط نفوذه ولم يقبل بالهزيمة و الانسحاب .
حسبنا هنا تقديم مشهد من بين مشاهد كثيرة عاشها مغربنا الحبيب الأيام القليلة الماضية ، والتي شملت حملة تمهيدية ليوم الاستفتاء و التصويت على الدستور ، اذ كان من بين من يهتفون بالكلمة ينطقونها على غير أصلها ، وبدل أن تتلفظ *دستور * كانت تنطق * دكتور * جهالة من بعضهم ممن لم يلجوا المدارس بتاتا ، فكيف لهم بحسن الاحاطة بالمضمون العام للكلمة وما حملته من فصول ، وهم ليسوا على دراية بحسن التلفظ حتى .
نعود ونقول ، أن الجهل داء خطير لا بد من اجتثاثه ، وأن حسن التوعية و التحسيس مع التحلي بروح المسؤولية الكاملة، و التوضيح الشافي النابع من صدق أداء الواجب ، كفيل بأن يحد ولو بنسبة معينة من هذا الجهل المتفاقم يوما عن يوم ، وان لم يتحقق فعلينا التأكد أنه ثمة جهات لها استفادة عظمى في أن يتفشى الجهل ، ومن منطلق الضمير الحي نخاطبها ونطلب منها مراجعة حساباتها، مع التركيز على الأضرار العامة التي تنشأ عن هذا الجهل الذي ينخر قوى البلدان و المجتمعات . وعليه ، فالجانب المصلحي في ظاهرة كهاته هو يخدم الفرد، وفي الشق الآخر يؤذي بشكل كبير المجتمعات .
فهل يقبل انسان يحمل معاني الانسانية و الرقي قتل موطنه وخنقه بيديه ؟