عبد السلام عامر نغم جميل في سنفونية الطرب العربي، نجم لامع ضمن كواكب مجرة القصر الكبير الفكرية والأدبية والفنية، حرم نعمة البصر الحسي، وحباه الله نعمة النبوغ والإدراك الوجداني، أصغى جيدا لأصوات الطبيعة وهمس الروح، وترجمها ألحانا جميلة وأنغاما آسرة،
عبد السلام عامر ولد ونشأ بمدينة الشهداء، و”مرجة الصالحين”، ومثوى المجاهدين، فتشبع بقيم الفضيلة وأوراد التصوف، ونهل من معين العلم والإيمان، وفي محراب الإبداع لحن أحسن القصائد، وأنشد أجمل الألحان، كان يختار الكلمة الطيبة، والعبارة المفيدة، والنغم الطروب، فخط لنفسه نحوا لا يحيد عنه، وأسس مدرسته العامرية في الموسيقى والطرب، ولامس قضايا الناس والمجتمع، وسعى إلى ترسيخ قيم المواطنة والانتماء وحب الوطن، وأذكى في نفوس المستمعين لألحانه وإنشاده شعلة الإيمان بالحق سبحانه وتعالى، وجذوة التدبر والتفكير في آلاء وأسرار أكوانه، بصدق كان عبد السلام عامر قمرا أحمر يضيء سماء القصر الكبير، وجدولا رقراقا ينساب بين جنانه وسهوله، و”مايسترو” الموسيقى والطرب العربي، إلا أنه لم ينل حقه من الاهتمام والدراسة والتكريم، فكان حظه كحظ مدينته القصر الكبير من الإهمال والتهميش، ولهذا نعتبر الفنان حسن بنجلون مخرجا فاتحا، استطاع أن يتغلب على كثير من الحواجز والموانع، ويقتحم أبواب المدينة العريقة، في مغامرة سندبادية، ويكسر القيود، ويحرر الذاكرة الشعبية من التواطؤ والجمود، ويخرج من دهاليز النسيان فلما كبيرا لهرم شامخ في دنيا الفن والموسيقى العربية ، اسمه عبد السلام عامر، قاهر التهميش والظلام.
تحية تقدير وإعجاب للفنان حسن بن جلون، ولكل المساهمين في هذا العمل الفني الناجح، من ممثلين وتقنيين ومتعاونين وممولين.
ذكرياتي القليلة مع عبد السلام عامر: كان عبد السلام عامر يكبرني سنا ومستوى دراسيا، فعندما التحقت بالمعهد المحمدي سنة 1961 لأدرس بقسم الأولى 1 كان عبد السلام في القسم الرابع، كنت أراه يمشي مع زملائه وأترابه، وبصفة خاصة مع الخليل السباعي، وبوسلهام أبو بكر، وقد كان بشوشا دائم الابتسامة، كنت محظوظا حيث استمعت إليه مباشرة سنة 1963وهو يغني إحدى أغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب، بمصاحبة أستاذ الاجتماعيات محيي الدين رضوان، حيث كان يعزف على آلة العود، كان ذلك بسينما اسطوريا بمناسبة حفل مدرسي، من تنظيم النادي المدرسي الذي كان يترأسه الطالب محمد بوحيى (الأستاذ المحامي ورئيس المجلس البلدي لمدينة القصر الكبير، ونائبه في البرلمان)، كما كنت أراه أحيانا مع ابن خالته ذ المهدي المجول، زميلي في الدراسة، وصديقي في الحياة.
وشاءت الأقدار أن ألتقي بالأستاذ عبد السلام عامر بمدينة الدار البيضاء، حيث كنا نسكن في حي اسباتة، بمجموعة الاتصال، وكنت أبادله الحية كلم لقيته بمعية زوجته، وقد كان يعرفني عبر الصوت، فيرد قائلا “أهلا بولد البلاد”، كما كنت أصادفه أسبوعيا “بالرشاشات”، وقد حدث يوما ان تسرب التماس الكهربائي إلى صنابير الماء، سمعت صوت عامر يدوي ، والرجل يصرخ مدعورا ” التريسينتي”، وقد كنت قد سبقته إلى صعقة الكهرباء فقلت له افتح “البزبوز” بالمشط، لأن البلاستيك يصد ضربة الكهرباء، ثم خرجت محتجا على صاحب الرشاشات، بل مستخدمه، فأسرع إلى إصلاح العطب، وأكملنا الاستحمام في سلام.
كان رحمه الله يستعير كثيرا من الأسطوانات من عند أحد اصدقائي، الذي كان يدير محلا لتسجيل وبيع اسطوانات الغناء، وكان يصحبه إلى منزله، فيقوم بتسجيل تلك الأسطوانات ويردها إليه ممتنا شاكرا، حدثني صديقي عبد الرحمان الرزوزي صاحب متجر الأسطوانات أنه في كل مرة كان يصاحب الموسيقار عبد السلام عامر يحاول أن يتعلم كيف يشغل تلك الآلة الكبيرة – استوديو التسجيل – ولم يتوفق بسبب كثرة أزرارها ومفاتيحها المتعددة الأشكال والألوان، أما عامر فكان يقوم بالمهمة بكل سلاسة ونجاح.
رحم الله عبد السلام عامر الفنان المبدع، والموسيقار الكبير، ملحن روائع الأغاني والأناشيد الدينية والوطنية، التي ستظل نجوما مشرقة في سماء الموسيقى المغربية والعالمية، وقمرا أحمر في سماء القصر الكبير.