لا تجد بعض النساء حرجا في التعبير عما يخالج أحاسيسهن من مشاعر فياضة اتجاه الطرف الآخر، حيث يسارعن الى البوح بحبهن الى الآخر حتى من غير أن يبدي هذا الأخير اهتماما بهن أو يبادلهن الشعور ذاته، فلا يمنحن لأنفسهن فرصة للتفكير، ولا يتريثن في الاقدام على خطوة جريئة كهاته، والتي قد تؤذي مشاعرهن وتسبب لهن أزمة نفسية مدمرة في القادم من الأيام والسنين .
اذا كان هذا الصنف من النساء يجرؤ على التحرر من كل القيود التي تكبل عواطفه، ويتمرد على كل الأصول وينطق، فان هناك صنف آخر ليست له الجرأة نفسها في التعاطي مع موضوع عاطفي يشكل الآخر طرفا أساسيا فيه، فيكن مضطرات الى حجب مشاعرهن عن المحبوب، مستعملات شتى الطرق في اخماد صوت الحب الذي يعجز أن يسكته شيء.
المرأة هنا تكون في وضع يحسد عليه من حيث المعاناة وألوان العذاب التي تلسع فؤادها من حين لآخر، فهي لاتستطيع مصارحة المحبوب بالحب لآنها ترى في الأمر حطا من قيمتها، ومسا بكرامتها، واسترخاصا لأنوثتها التي تعتز بها، فتفضل مقابلة صمت الحبيب بصمت أكبر حفظا لكبريائها، وتقبل بمقاومة مشاعر الشوق والحنين التي تسيطر عليها، حتى اذا ما ضعفت من شدة المقاومة اختلقت موضوعا، أو افتعلت أمرا من شأنه أن يطفىء ظمأ تلك الأحاسيس المتعطشة لسماع صوت الحبيب مثلا، أو رؤيته ولو رؤية عابرة .
كل شيء يستطيع أن يتحكم فيه الانسان، الا مشاعره فيصعب جدا أن تكون له سلطة عليها، غير أن قدرة المرء على بعض التحدي ورفض أن يكون لعبة في يد الآخر تحت طائلة الحب، أو يكون عبدا لآهوائه في استسلام كامل ، تختلف من انسان الى انسان، ومن جنس الى جنس، سيما اذا تعلق الأمر بكوكب النساء الذي يستوجب حضور الكرامة الأنثوية في كثير من الحالات .
صحيح أن الحب لايعترف بشيء اسمه الكرامة، والا تمسك كل رجل بكرامته ولم يعلن عن حبه لاي امرأة، والا كان الشعراء احتفظوا بكرامتهم ولم ينظموا قصائد وأشعارا تتغنى بالحب وبالمحبوبات، ولم يخط الكتاب رسائل عشق وهيام ويبعثوها الى حبيباتهم، الا أن الأمر حين يتعلق بالمرأة على وجه التحديد، فانه يصبح ذو طبيعة حساسة، واذا ما أقررنا ان هناك نساء يلعبن دور المبادر باعلان الحب والغرام للطرف الآخر، فان اقرارا ثانيا يفيد أن هناك أخريات عاجزات تماما عن اتيان نفس الدورلعدة اعتبارات، أهمها: الحياء، ونمط التنشئة الأسرية، وأسلوب التربية الذي تلقينه في مراحل عمرهن المختلفة ….
ان المرأة كائن متأصل من العواطف، وكثيرا ما تكون هذه العواطف سببا في شقائها اذا لم تحسن توجيهها، وان هزيمة امرأة عاطفيا أمام رجل خلوق، صادق، خير، طيب، كريم، متصف بجليل الخصال، تختلف جدا عن هزيمتها عاطفيا أمام عكسه، فلعل الأول يفهم مشاعر المرأة ويقدرها ويحترم فيها نبل هذه العواطف، فيزكيها بمشاعره الطاهرة ويعززها بارتباط شرعي، ولعل الثاني يجدها فرصة سانحة لاقتناص وقت يلهو فيه ويستمتع بعواطف وأحاسيس هو لايقدرها من الأساس، فيتضاعف استهتاره وينشغل بالتفكير في العبث بالجسد الأنثوي .
المرأة بين مشاعر الحب والكرامة الأنثوية تجسد الأنثى الراقية،العذبة الرقيقة، الجميلة الرائعة، رغم دموعها التي تسيل، ووجعها الذي تخفيه، وحيرتها التي تثير مجموعة من الشكوك، فهي ترقب يوما تسطع فيه شمس الحب مرحبة بها، لتتربع عرش مملكة من اختاره قلبها حبيبا من بين الملايين . ومن يرفض امرأة مزجت بين مشاعر الحب النبيلة وحافظت على كرامتها الأنثوية أمام من تحب منتظرة أن ينطق بها هو أولا ؟؟