ومن النّاسِ مَنْ يَرتَقي “مَنازلَ المُجتمَع الفانيةَ” ورصيدهُ في الحَياةِ والعلمِ فارغٌ أو مَصنوعٌ، ومنهمْ ذو الرّصيدِ المُثْقَلِ يُهمَلُ ولا يَرتَقي، ولكن تشهَدُ لكفاءَته الأشياءُ والأحياءُ قبل الأوراق. فقَد يَصلُ من كانَ ألحَنَ بحجَّته الوَرقيّةِ، ويتخلَّفُ الصامتُ عن حجته القويّة، فيصعدُ اللاحنُ بالـحُـــجَّـة، لأنه يُحسنُ بناءَ حجّته الواهية، ويُرسلُ مَعها الصَّيْحةَ العاتية، ويَهبطُ مَن لا يُحسنُ اللحنَ بالحُــجَّـــة، نحن في زمَنٍ يتعففُ فيه الصّامتُ ولا يُزاحمُ بالأكتافِ ويَتنازلُ عن حقه ترفُّعاً وعزَّةَ نفسٍ.
فلا تظنَّنَّ أنّ كلَّ مَن أُعطيَ أحقُّ بما أعطيَ وأنّ ما سيمتازُ به خالصٌ سائغٌ هنيء مريء. فلو كان ارتقاءُ “المَنازل الفانية” رَهيناً بحُسن تَرتيب الحُجة – ولو قلَّ شأنُها وعَمِيَ بُرْهانُها – فسيَطفو على السطحِ كلُّ جاهلٍ متنفِّذٍ، ويَنزوي عَن المَشهَدِ كلُّ عالم متمكّنٍ، ويَأْرِزُ العلمُ في الأركان ويبرزُ الجهلُ والتَّطاولُ في كلّ مَكان.
عُذراً أيُّها المُؤخَّرُ، فأنتَ عندي مُقدَّمٌ تشهدُ لك أعمالُك وأخلاقُك.