هل عطل التعليم الأصيل مصلحة ما ليتم التخلي عنه واستبعاده من ثانوية وادي المخازن بمدينة القصر الكبير والتي اشتهرت به منذ القدم وأنتج كبار العلماء والأساتذة والمبدعين والفقهاء؟
هل أضحت العلوم الدينية الشرعية الإسلامية علوما متجاوزة أكل عنها الدهر وشرب، لتبتر بهذه الطريقة من خريطة أنواع التعليم المنتشر بالمؤسسات التعليمية؟
هل باتت علوم الدين مزعجة لهذا الحد كي يؤخذ في حقها حكم الإعدام ؟
أو لسنا اليوم أشد حاجة للرجوع لشرع الله تعالى في معاملاتنا وعباداتنا وقد استلبنا واكتسحتنا العولمة وأخضعتنا للتبعية بأن وحدت الهوية والثقافة واختزلتها جميعا فيما هو غربي صرف يتناقض بشكل واضح مع هويتنا العربية وحضارتنا المتوغلة في التاريخ وثقافتنا الأصيلة؟
كل من بلغه خبر تخرج آخر دفعة للتعليم الأصيل من ثانوية وادي المخازن برسم هذه السنة ( 2024 – 2023) إلا وأصيب بالدهشة والذهول، وكل من علم أنه ابتداء من السنة الدراسية المقبلة لن يبق تعليم بالقصر الكبير إسمه ” التعليم الأصيل” استاء وحزن وتألم واستشاط غيظا، كيف لا و” المعهد الديني” كما يحلو للقصريين تسميته ظل لسنوات مديدة صرحا تربويا متميزا، تخرج منه العديد من الأسماء الوازنة في حقل العلم والمعرفة الدينية الشرعية الإسلامية والأدبية الثقافية الأصيلة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بلغتنا الأم العربية، وهويتنا العريقة المنبثقة من جوهر الإسلام المبني على الوسطية والاعتدال، والمؤسس على التعايش ومبادئ الرحمة والتسامح والتضامن وغيرها من القيم النبيلة السامية.
درس بالتعليم الأصيل بثانوية وادي المخازن بالقصر الكبير أساتذة أكفاء أجلاء، أبلوا البلاء الحسن لتنشئة أجيال تحمل مشعل الثقافة الأصيلة، بجنسيات مختلفة مغربية ومشرقية وأحيانا أجنبية كما يحكي لنا سابقونا من السلف الصالح.
الكل تجند من أجل حضور بهي لهذا الصنف من التعليم، وفي كل مرة كانت تلمع أسماء وأسماء من داخل هذا الفضاء التربوي وهذه المؤسسة التعليمية العتيدة، التي استطاعت بالفعل أن تبرهن عن جديتها من خلال حضور أبنائها في شتى حقول المعرفة وتصدرهم المشهد الثقافي والإبداعي بالمدينة وخارجها بامتياز إلى جانب أختها الثانوية المحمدية.
إن القبول باستبعاد التعليم الأصيل من القصر الكبير ومن منظومة التربية والتعليم كليا هو ضرب لجزء عظيم من التكوين السليم والمعرفة الحقة والبناء الإنساني القويم، روحا ومعنى.
لسنا ضد العصرنة ولا ضد الانفتاح على الميادين العلمية المختلفة ولا ضد أي لغة أجنبية تأخذ مكانها إلى جانب اللغة العربية، إنما المحافظة على الهوية الأصيلة والثقافة العريقة أمر واجب، ومثلما الغرب متمسكون بثقافاتهم ويعممونها على العالم بأسره، حري بنا أن نتشبث نحن أيضا بما يمثلنا ويجسدنا حضارة وتراثا وثقافة وعلما وأصالة وعراقة، فلا نرضى بالتبعية والاستيلاب، ولا نسمح بتغييب ولو جزئية بسيطة مما يعزز حضورنا ويبرز كينونتنا ولا يبخسها ويستهبن بقدرها أو يطمس معالمها …
للتعليم الأصيل فضل كبير في تهذيب أخلاق المرء واستقامته، وفي تنوير العقول وتحريرها من قبضة اللبس والغموض وسوء الفهم لأحكام الدين وسننه وفرائضه، وكما قيل : ” علموا أولادكم القرآن والقرآن سيعلمهم كل شيء”، فكتاب الله عز وجل كله خير وبركة ومنفعة، وسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نور وسكينة وأمان، وكتب الفقه والأدب ودواوين الشعر القديم والحدبث وفنون البلاغة وغيره فيها متعة كبيرة وإبحار لا متناهي في عوالم المعرفة الماتعة.
فهل من عودة للتعليم الأصيل بين إخوانه من صنوف التعليم الأخرى؟ وهل من غيورين مدافعين مطالبين ببقائه؟ علما أن اغتياله هو اغتيال لقيم نبيلة ومبادىء سامية كثيرا ما كان لها دور بارز في حماية مجتمعاتنا من كثرة الانزلاقات التي تقود إلى الشرك والكفر أحيانا وإلى الإلحاد أحيانا أخرى.