سألني تلميذ من تلاميذ ثانوية إدريس بنزكري عند حلولي ضيفا عليهم يوم الجمعة 25 من مارس 2022م:
– ما العلاقة بين عنوان كتابك “غيمات الندى” وبين صورة غلافه ولون الغلاف؟
وعلى نهجه سار تلميذ ثان سائلا:
– ما دلالة اللون الذي اخترتَه لغلاف كتابك “تصويبات لغوية في الفصحى والعامية”؟
وقد قلت في الإجابة عن السؤالين إني لا أهتم كثيرا باختيار الصور والألوان التي تتصدر مؤلفاتي، وذكرت أمثلة لبعض كتبي مما لم أتدخل قَطُّ في انتقاء أغلفتها.
وأضفت قائلا إن هذا الأمر (عدمُ الاهتمام بانتقاء صورة أو لوحة للغلاف وألوانٍ له) ليس شأنا خاصا بي وحدي، ولكنه أمر مشترك بين كثير من الكتاب. بل إن كثيرا من دور النشر هي التي تتولى هذا الأمر، ولبعضها أناسٌ متخصصون في الإخراج الفني (الشكلي) للكتاب.
وعليه فإن من غير المنطقي أن نفترض وجود علاقة ضرورية بين صورة الغلاف، وألوانه، ونوع الخط الذي كُتب به العنوان واسم المؤلف، ونحو ذلك مما يسميه النقاد “عتبات نصية”، ويبذلون جهودا طيبة في دراستها وتحليلها، وبين مضمون الكتاب ومحتواه ورسالة الكاتب ومقاصده.
فكيف يستقيم، مثلا، إذا اختيار الناشر لوحة ما لتكون واجهة لأحد الكتب، أن نربط بينها وبين مضمون الكتاب. إن عملا كهذا ينطوي على خلطٍ بين كلام المؤلف واختيار الناشر، ويؤدي إلى فهم كلام الأول، وتحليله، وتأويله في ضوء اختيار غيره من الناس!!
هذا ما أجبت به يومئذ. وأذكر أن أستاذة عقبت على كلامي، قبل أن أفرغ منه، فقالت ما معناه أن خطاب العتبات راسخ في النقد، وأننا اعتدنا أن نُمهّد في دراستنا للنصوص، داخل الفصول الدراسية، بتحليل العتبات وتقديم فرضياتٍ للقراءة انطلاقا منها.
قلتُ للمعقبة في هدوء: أعرف ما تقولين، ولكننا الآن في لقاء حُرّ مفتوح، ومن حقنا أن نفكر بطلاقة وتحرر من المألوف والمعتاد.
وفي الخامس من يونيو الحالي زرتُ معرض الكتاب الدولي بالرباط لاقتناء ما يروقني وتشتهيه نفسي من كتب، وكان من أبرز ما أود اقتناءَه روايات الدكتور حلمي محمد القاعود، حفظه الله، وأعماله النقدية والفكرية. وقد بحثت عنها في دور نشرها المشاركة بالمعرض، ولم أجد أي كتاب منها.
لكن من حسن حظي أن وجدت، يومئذ، ضمن منشورات دار النابغة التي وُضعت في جناح كتاب الطفل بالمعرض كتابا عنوانه “حلمي القاعود روائيا: قراءة تكاملية” للدكتور الموسوعي إبراهيم عوض، وهو كتاب يتناول بالدراسة والتحليل أربعة من روايات د. القاعود. هي “الحب يأتي مصادفة”، و”محضر غش”، و” اللحية التايواني”، و”شغفها حبا”.
استمتعت كثيرا بقراءة هذا الكتاب، وعرفت من خلاله ناقدا موضوعيا، دقيقا، مفيدا، ذا شخصية مستقلة، بعيدا عن “الببغائية” التي كانت وما زالت سمة لكثير من المنتسبين إلى مجال الثقافة والنقد.
ليس من اليسير أن أبين حسنات هذا الكتاب وإيجابياته، في هذا الحيز، ولكني أستحضره لأقول إن مما راقني فيه كثيرا نقده لخطاب العتبات.
لقد استحضرت، وأنا أقرأ كلام الدكتور إبراهيم عوض عن العتبات، ما تقدم من أسئلة تلاميذ ثانوية بنزكري في لقائي بهم، وما أجبت به عن أسئلتهم، وسررت كثيرا وأنا أجد رأيي متفقا مع رأي هذا الناقد المتميز، وكأني كنت أقرأ من كتابه وأنا أرد على التلاميذ. أقول هذا مع الإقرار بفضل الرجل، وسبقه، وتميز طرحه، وسعة اطلاعه، ومع الإقرار كذلك بالفارق بين طالب علم مثلي وبين عالم فذ مثله حفظه الله وبارك له في صحته.
هذه مقتطفات من كتاب الدكتور إبراهيم عوض، تبين رأيه في تركيز النقاد على عتبات النص وإيلائها نصيبا كبيرا من العناية والتحليل.
يقول حفظه الله: “..الأدب شيء، وتصميم الغلاف أو كتابة عبارة الإهداء شيء آخر(…) كما أن مصمم الغلاف بل مصمم الكتاب كله ليس هو الأديب الذي كتب الرواية، بل شخص آخر، فكيف نحاسب العمل الأدبي وصاحبَه على ذلك؟ وحتى لو كان المؤلف والمصمم شخصا واحدا فإن ذلك الشخص مصمما لا علاقة له به هو نفسه روائيا. هذه نقرة، وتلك نقرة، هذا روائي، وذاك مصمم” ( ص25 باختصار).
ويقول في موضع آخر: ” ..ثم هناك الغلاف والصورة المرسومة عليه ولونه وخط العنوان وما إلى ذلك مما يمكن أن تشتعل بسببه الحرب الكونية الثالثة، أجارنا الله من الحروب كونية كانت أو محلية. تُرى ما دخل المؤلف المسكين بتصميم الغلاف بل وبتصميم الكتاب كله من نوع الورق ولونه ووزنه ومقياس الصفحات والخط والبنط؟ إن المصمم شيء، والمؤلف شيء آخر..” ( ص170).
إنهما مقطعان يكشفان نقد د.إبراهيم عوض لخطاب العتبات النصية، وهو نقد، كما أراه، عقلاني، موضوعي، مفيد، لا يخلو إلى ذلك من دعابة وفكاهة تجعل قراءة الكتاب مزيجا بين الإمتاع والانتفاع.
وبالله التوفيق.
أبو الخير الناصري
أصيلا في 25 من يونيو 2022م.