استراحة محارب أم انكسار كاتب حالم؟
سواء تعلق الأمر بالكتابة أو بغيرها، فعندما نستحضر الوقوف أو التوقف عموما، فإننا نستحضر الموت بشكل من أشكاله. وعندما نستحضر الموت، تتبدى لنا الامور على حقيقتها بشكل لم نعهده من قبل. لا يمكن أبدا رؤية الحقيقة في زمن الانطلاق إذ لا يمكن معرفة القياسات والأحجام والأشكال لحظة السفر لأنها تكون خارج اهتمامات المسافر الذي يكون نصب عينيه هدف آخر وهو الوصول إلى المحطة فيما يبقى ما دون ذلك مجرد تسلية. وهذا بالضبط ما حدث معي. فمنذ قراري الانخراط في العمل الإبداعي، راكمت عشرات الإصدارات والمخطوطات ولكنني لم أقدر حجم التضحيات التي قدمتها لقاء ذلك إلا عند توقفي وقفة تامل وتقييم للمنجز الشخصي والحصيلة المراكمة خلال سنين العطاء والتطوع.
قبل دخولي عالم الكتابة، قرأت نصيحة شاعر عربي ناضج كان قد قدمها لشاعر عربي شاب. وتقضي النصيحة بأن يحفظ الشاعر الشاب ألف بيت شعري في البداية ثم ينساه بعد ذلك، استعدادا لقرض الشعر. وهي طريقة يفترض من خلالها تخزين الأوزان والصور الشعرية في وجدان الراغب في اقتحام مجال قرض الشعر خلال عملية الحفظ والنسيان. أعجبتني الفكرة لكن اختياري لجنس السرد جعلني أعدل النصيحة قليلا حيث صرت أقرأ وأقلد ما قرأته كتابة آنية أحيانا ومتأنية تارة أخرى. وبذلك، كانت محاولاتي الإبداعية الأولى فرصة للتمرن على الأساليب واستثمار المهارات والمعارف. لهذا، لم يكن النشر أولوية من أولوياتي. وحتى حين نشرت نصوصي الأولى، حدث ذلك بمحض الصدفة.
دخولي عالم النشر جرني إلى متاعب جمة رغم أنني لم أفعل شيئا آخر غير الكتابة وتعميم المادة المكتوبة ورقيا وإلكترونيا. ومع ذلك، فقد تحول محيطي (من أهل وجيران وزملاء العمل وقدماء الأصدقاء) إلى أكثر من خصوم، إلى أعداء. وتطورت معها العداوة إلى الاعتداء المادي والرمزي. وخلال هذا الافتراس، اكتشفت حقيقة البلاد والطريقة المتوحشة التي تسير بها الأمور وانخراط “الجميع” ممن يظهرون في الشوارع والتلفاز والمقاهي والأندية ك”أرباب تحليل” بأنهم “ذئاب”، يستغلون النقاشات لشحذ أنيابهم في انتظار الفريسة.
خلال هذه الفترة،2004-2011، عوقبت عقابا لن أغفره لقوى الظلم والفساد في البلاد ما حييت. فقد جمدت ترقيتي وحرمت من الانتقال وحرمت من اجتياز مباريات التدريس بالخارج بل حرمت حتى من التفتيش. وحده “الربيع العربي” الذي ساندته بكل ما أوتيت من قوة جاد علي بالترقية بطريقة “استثنائية” ارتجلتها الوزارة رسميا، تحت الضغط الشعبي عام 2011. فبسبب الخوف الإداري من لهب “الربيع العربي” القادم من الجهة الشرقية، تم صك ترقية لم يسمع بها التشريع المغربي من قبل وهي “الترقي بالتسقيف”، وهي طريقة يتم بها ترقية كل “المهمشين” من الموظفين ممن يعاقبون إما من قبل النقابات أو الإدارة أو هما معا. وبهذه الطريقة الجديدة في الترقي، كنت “آخر” موظف يترقى إلى الدرجة الأولى من بين موظفي جيلي!
—-
(يتبع)