مدينة خارج التنمية، غارقة في الويلات والمشاكل، يحاصرها الإقصاء والتهميش من كل جانب . مدينة تنتحب على ماضيها العريق، وتبكي على حاضرها البئيس . مدينة بلا آفاق مستقبلية، يضيع شبابها بين غياب فرص الشغل وشيوع أنواع المخدرات، يحرم أطفالها من أماكن تحتضنهم للعب، تشتكي نساؤها من الافتقار لمتنفسات يقصدنها تخفيفا للتوتر الحاد، يفر رجالها الى المقاهي ولا شيء غير المقاهي تكسيرا لروتين العمل ومتاعب الحياة .
هكذا أرادوا أن تكون القصر الكبير، موطنا للإجرام، مقصدا للصعاليك، محجا للمجانين، وقبلة للظواهر الشاذة والمستفحلة .
أقبروا معالمها التاريخية، انتهكوا حرمة فضاءاتها الحيوية، استباحوا تشويه جمالها، اغتالوا خضرتها، أسسوا للعشوائية بها، رسموا لها طريقا غير الطريق، وخططوا لأن تكون القصر الكبير غير القصر الكبير التي تغنى بها الشعراء، ومجدها العظماء، وفخر بها التاريخ والحضارة .
أرادوها مدينة اللاشيء، أرض حوادث القطار الغادر والممرات غير المحروسة، أرض الفقر والحرمان والبعد الكبير عن النهضة والتقدم، مدينة لايعتد بجغرافيتها فتتجاهلها الخطوط الطرقية وتعبر وسائل النقل بمحاذاة منها دون أن تدخلها، تاركة أهلها يندبون حظهم أنهم منها وإليها .
استكثروا عليها أن تكون عمالة وفضلوا أن تظل جماعة، وقد تحولت صغريات المدن الحديثة إلى عمالات، بينما ظلت هي في أسوإ حالاتها تابعة لغيرها من المدن .
هكذا أرادوا أن تكون القصر الكبير فكانت، مدينة ينتفي فيها كل شيء، إلا طيبوبة بعض الناس، وحنين البعض الآخر لمعانقتها رغم كل الظروف، وكيف لا تحن القلوب إليها وهي المدينة العظيمة التي ستظل عظيمة بعظمة التاريخ الذي خلدها .

























