هلْ يُتصوّرُ الجمعُ بينَهُما، أ من الممكن أن يَكونَ المثقّفُ متسيِّساً، أو المتسيِّسُ مثقفاً، أم لا يُجمعُ بينهُما لأنّ الجمعَ تناقُضٌ وتمزّقٌ ؟ هل يُتصوّرُ المثقَّفُ مُتحيِّزاً إلى فئةٍ دونَ أخرى في حربِ النّزعاتِ السّياسيّة ؟
كلّما اقترَبَت حملاتُ الانتخابات ارتفَعَت حرارةُ السّاحة السّياسيّة، واشتدَّ الجدلُ وعظُمَت الخُصومةُ بين الخُصوم السياسيّين، وامتلأ رصيدُ المعجم السياسيّ بكلماتٍ تتجهُ اتّجاهاً معيّناً يغلبُ عليْه مَدحُ الذّات وذمُّ الخَصمِ، بل تقديمُ الوُعود للجمهور بالغد الأفضل والآمال الورديّةِ والعيش المثالي، والطّعنُ في الخُصوم ورميُهم بكلّ مَثلَبة من المَثالب واتّهامُهم بالتّزويرِ واستمالَة الجمهورِ بالمالِ والوعود…
إذا كانَ السياسيّ المُشارك في الحملاتِ مثقّفاً، سخَّر الثّقافَةَ وقيمَ المعرفَة الثّابتةَ للمتغيِّرات الانتخابيّة، واستغلَّ منابرَه لردعِ الخُصوم والانتصارِ للذّاتِ الحزبيّة. والسياسَة حركةٌ موسميّةٌ لها مواسمُ صُعودٍ وهبوطٍ وموالاةٍ ومُعاداةٍ، ولها تيارٌ جارفٌ يستطيعُ أن يُسخِّرَ القُوى والقيمَ والرجالَ والنساءَ لخدمةِ الغرَض الانتخابيّ.
ولقَد طُبعَ تاريخُ الثقافَة الإنسانيّة بالزّلاّت السياسيّة والنزوعاتِ الشخصيّةِ لأنّ أصحابَها جَمَعوا قَسراً بين السياسيّ والثّقافيّ.
ولا يُتصوّرُ الجمعُ بينهما إلاّ على سبيل نقد السياسَة ومراقبَة سيرِ الانتخاباتِ وغيْرِها من المناسَباتِ الموسميّة ، وجمعِ ما يصدرُ من الأحزابِ والهيئاتِ السياسيّةِ والأطيافِ ، من أقوالٍ وخطاباتٍ وتصريحاتٍ ، لنقدِها وفق منهج علميّ أكاديميّ من مناهج تَحليل الخطابِ السياسيّ