يخلد العالم يوم 8 مارس من كل سنة، اليوم العالمي للمرأة، فيهتف بلفظ المرأة الصغير والكبير، الأمي والمتعلم، المستهتر والخلوق، ويتكلم الجميع عن المرأة كل من منطلق أفكاره وقناعاته وتنشئته ومفاهيمه الشخصية…
يحتفي البعض بالمرأة في شخص الأم، على اعتبار أنها منبع الحنان والحب والعطف والعطاء اللامحدود، ويجد البعض الآخر متعة الاحتفاء بالمرأة في الزوجة باعتبارها شريكة الحياة ورفيقة الدرب، ومنهم من يهدي مناسبة الاحتفاء للأخت أو البنت كرمز من رموز الاعتناء والاهتمام بالأنوثة، وكعربون أخوة وأبوة أساسها الصداقة والمعاملة الطيبة.
كثيرا ما تسيل دموع المرأة في هذا اليوم، وهي تسترجع جوانب معينة من حياتها، فترسل آهاتها وتتمرد أحيانا معلنة عدم رغبتها في أي احتفال خاص بها، مادامت تتذوق المرار وتقاسي دون رحمة من أحد، ومادامت جهودها لا تلاقي الاعتراف وتضحياتها تذهب سدى.
تصرخ بعضهن: ” لا نريد ورودا، لا نريد مجاملات، نريد تقديرا واحتراما لكينونتنا، نريد اعتبارا لوجودنا، فنحن لم نخلق لنعذب ونظلم، لم نخلق لنستغل ونقمع، لم نخلق لتداس كرامتنا ونهان يوميا، بسبب معتقدات خاطئة ترسبت في عقول مجتمعاتنا المتخلفة، وفهم مغلوط لما حملته الرسالات السماوية “.
تصيح أخريات بصوت مقهور متعب: ” المرأة ؟؟ ماذا تركوا لنا منها غير اللفظ ؟ التسلط أفقدنا القدرة على التعبير، ولد بداخلنا العجز عن الإفصاح عن معاناتنا، حتى صارت دموعنا تنوب عن ألسنتنا في الكلام، ثامن مارس لا يعنينا في شيء طالما الألم يصاحبنا في كل خطوة، والحزن رفيقنا في كل درب”.
وفي تأثر كبير تتحدث بعضهن: ” لا ندري بأي امرأة يحتفي العالم؟ هل بتلك التي تموت ذليلة سعيا لكسب لقمة عيش بالحلال؟ هل بتلك التي ترمى بالدونية وهي على أكتافها تبنى البيوت وتشيد فيعم الاستقرار؟ أم هو الاحتفاء من أجل الاحتفاء فقط، في استغلال لكلمة المرأة، والجميع على علم بما يرتكب من جرائم في حق المرأة، بدءا من التحرش فالتعنيف بأشكاله فالاغتصاب فالقتل ؟ “.
إن المتأمل لواقع المرأة الحالي، يدرك جيدا أن المرأة قطعت أشواطا كبيرة في بلوغ أعلى المراتب والدرجات، وعوض أن ينعكس ذلك بالايجاب على حياتها ومكانتها بشكل عام، إلا أنه مع كامل الأسف ضاعف من حجم بؤسها، ورفع من حدة آلامها، بسبب مجموعة من الرواسب العالقة بالأذهان، والتي تسيء للمرأة وتجعل منها كائنا ثانويا، واجب عليه الطاعة والإذعان لسلطة الغير، من دون جدال أو نقاش مما يشعرهن بالحيف وعدم الإنصاف في حقهن.
إذا كان يوم ثامن مارس يوم تنتظره بعض السيدات بشغف، ليتسلمن الورود ويأكلن الحلوى ويفرحن ويمرحن، كنوع من أنواع رد الاعتبار بطريقة يرينها معبرة وترضيهن إلى حد ما، فإن سيدات أخريات يجعلن من هذا اليوم محطة يتوقفن عندها، فيراجعن مسارهن وما استطعن تحقيقه وما فشلن فيه، وهو يوم عند غيرهن لتفحص المواجع واستحضار مجموعة من الآحداث التي كانت المرأة ضحية لها، من ضمنها ما يحدث بباب سبتة المحتلة كل حين، وما نتج من وفيات في صفوف المرأة والنساء يتهافتن من أجل الحصول على كيس دقيق وقارورة زيت وعلبة سكر لسد رمق أبنائهن، وما يلحق المناضلات الشريفات في مختلف القطاعات من تعسفات جراء مطالبتهن بحقوقهن المشروعة، إلى جانب الموت الذي يخطف العديد من الحوامل بداخل المستشفيات وخارجها، في ظل الظروف الصحية المتردية التي يتخبط فيها القطاع، وهلم جرا من المآسي التي لاحصر لها .
ينتهي يوم ثامن مارس وتنتهي معه الاحتفالات بالمرأة، وتظل مشاكل المرأة متواصلة وبتعقيدات أكبر، سيما وأن قضاياها لا تؤخذ على محمل الجد للخروج بحلول مقنعة مفيدة، تخدم جميع شرائح النساء اجتماعيا وإنسانيا، بقدر ما تقف عند يوم مملوء بالبهرجة ونثر الورود والعودة من بعد للوضع المزري المعتاد.
فهل شرع يوم الثامن من مارس للاحتفاء بدور المرأة والنظر في مطالبها ما تحقق منها وما يستدعي التحقيق والتفعيل، أم أنه جيء به للنبش في جروحها وتأزيمها نفسيا أكثر فأكثر ؟؟.