الشعر حالة فعل وانفعال وتفاعل
* من هو الطيب المحمدي، ما هي انشغالاتك، وما هي أمنياتك في مطلع هذه السنة ؟
بداية الطيب المحمدي من مواليد القصر الكبير 1955م، والده الفقيه المختار بن محمد بن عمرو ، تلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة سيدي أبو أحمد بالقصر الكبير، وتعليمه الثانوي بكل من المعهد المحمدي بنفس المدينة، وثانوية الوحدة بتاونات وثانوية جابر بن حيان بتطوان .
التحق بمدرسة المعلمين بطنجة، ثم قدم استقالته منها في سنته الأولى ليلتحق بالمركز التربوي الجهوي بالقنيطرة 1978، وبعد تخرجه 1980 م عين أستاذا بالتعليم الإعدادي ، فعمل بكل من سيدي قاسم، وتطوان، ثم القصر الكبير منذ 1985 م إلى غاية كتابة هذه السطور ….
عن انشغالاتي ، أعتقد أن انشغالاتي هي اهتمامات لا تختلف عن الكثيرين ، صحيح تتغير وتتقد حدتها بازديادنا قدما نحو الأمام ، هي في حقبة الصبا متقدة متحررة ، محورها الذات وهي اليوم تتمحور حول الآخر : هموم العمل بين الأمس واليوم، وآفاق الأسرة الصغيرة وواقع الوطن الصغير والكبير ، جميعنا إذن نتقاسم هذه الانشغالات ونتفاعل معها سلبا أو إيجابا …
وما أتمناه من سنتي هذه، أن تكون خيرا من سابقتها وأن يكون الربيع العربي ربيعا بكل معنى حقيقي للكلمة، وإلا سيكون الربيع كما قال التوحيدي ” المعاني تفسدها الأسماء ” .
* في أي مدرسة شعرية يؤطر الشاعر الأستاذ المحمدي نفسه؟؟
إلى أي مدرسة شعرية أنتسب ؟؟ هذا هو السؤال السهل الممتنع بالنسبة لأي شاعر – التزاما بتسمية السؤال –، ربما ديوان ” زغاريد مبحوحة ” يعطي الانطباع بالتوجه التقليدي كقالب عالم للمعاني، يشهد على ذلك قصيدة يتيمة من الشعر المرسل، يقابلها ثمان وعشرون قصيدة من الشعر العمودي ، وديوان ” ملح الذاكرة ” – وهو إلى ظهور – يزاوج بين القديم والحديث، ووحدهم النقاد قادرون على تأطيره في مدرسة الديوان، أو مدرسة أبولو، أو المدرسة الإحيائية، أو لا هذه ولا تلك .
* حبك للشعر، هل جاء بمحض الصدفة أم بتوجيه من أحد؟
الصدفة في اعتقادي فاعلة في العلم، مؤثرة فيه كصدفة نيوتن وارشميدس، أي ملاحظة وفرضية وتجربة ونتيجة، وممكن أن تكون حاسمة في الحياة الاجتماعية وإلا فهي حدث عابر، بينما الشعر هو وجدان كما عرفه العقاد ، هو حالة فعل وانفعال وتفاعل ، يبدأ خربشات ومع الزمن قد يكون أو لا يكون …
أما التوجيه فلا شك أن للدراسة الأدبية وموروثها ، وأسماء ألمعية في عالم الشعر كالشاعر الكبير المرحوم محمد الحلوي، الذي شكرته بقصيدة لي : ” هي السبعون ” منشورة في ديوان ” زغاريد مبحوحة “، والاسم هذا اقتبسته من قصيدة له تحمل نفس العنوان، يبدي فيها تبرمه من جفا الأيام وقد بلغ السبعين من العمر، منشورة بجريدة العلم ، ولا أنسى فضل أساتذة كرام درست عليهم، فتحوا عيني على عالم اللغة والأدب وهم كثيرون، منهم على سبيل الذكر الأستاذ المحترم : عمر الديوري والأستاذ المحترم : مصطفى اليعقوبي، والدكتور مصطفى يعلى وغيرهم جازاهم الله خير الجزاء ، ثم تشجيع ساير هذا وذاك من قبل أصدقاء منهم: الصديق الأستاذ توفيق الرويفي والصديق الأستاذ الخليل بوهاني وغيرهما .
وأعتقد أن لأستاذ الأجيال المرحوم بوسلهام المحمدي رأيا آخر قي قراءته للديوان عندما قرر : ” هذا شاعر يعشق الشعر لذات الشعر ، ظل ينظم الشعر لنفسه دهرا لا يعرضه على احد ، ولا يطلب رأي قارئ ، ينظمه فيأخذ منه ويدع ….إلى أن اشتد عوده ..فتجمع له منه عدد من القصائد ، فكان هذا الديوان ” زغاريد مبحوحة ” .
* يعرف عنك العزوف عن الاحتفاء بأشعارك ونشرها . هل لنا معرفة الاسباب التي وراء ذلك ؟؟؟
أعتقد أن عزوفي عن الاحتفاء بأشعاري وعدم نشرها أمر لم أقف عنده طويلا، ولم أبحث عن أسبابه بشكل جدي، فهناك أشياء نقوم بها هكذا ، علما أن قصائد لي نشرت على صفحات جرائد كالعلم، والصباح، والشمال ، واحتفت به العديد من الجمعيات والنوادي الثقافية ف ” الجمال في عين ناظره ” .
* أستاذ الأجيال الراحل بوسلهام المحمدي ، هل تجمعك به علاقة قرابة أم هو تشابه في الألقاب ؟؟ وهل كان لوداعه تأثير في مسارك الأدبي ؟
ما يجمعني بأستاذ الأجيال المرحوم بوسلهام المحمدي، بالإضافة إلى قرابة النسب إذ نحن أبناء عمومة ، المصاهرة، فهو زوج إحدى اخواتي، وفوق كل هذا جمعتنا صداقة فريدة رغم الفارق العمري بيننا، وإشارته لذلك عند إهدائه لي كتابه ” أدباء ومفكرو القصر الكبير المعاصرون ” هي وسام أتقلده ، وصحيح كان لرحيله الأثر الوجداني الذي يستحقه فرثيته بقصيدة ” طوى البيان ” ومما قلت:
طوى البيان الحجى القرطاس وانتكسا* * والحزن دق نواقيس الفنا جرسـا
شاء النوى أن يكون الموت مرسـله * * أهلا به الموت،لكن النوى درسا
يا ابن العمومة أعـيى حـيـلتي نـبــــأ * * فقد الأحبة أو حين الردى لمسا
تـخـتارك اليوم أجـيـال لهـــــا قـبـسـا * * خير البناة انتقت وخير من غرسا
رحم الله الفقيد وموتى المسلمين .
* من من الشعراء – بنظرك – استطاع الخروج بشعره من قوقعة القصر الكبير إلى رحابة المغرب ليصير شاعرا وطنيا، أو إلى شساعة الوطن العربي ليصير شاعرا قوميا؟
مدينة القصر الكبير هي أم المدائن : مدينة المجد وملحمة وادي المخازن ، أبدع أبناؤها على مر التاريخ في مختلف المجالات ، واعترف لها بذلك أدباء كبار وأسماء لامعة عند زيارتها كالدكتور صالح الأشتر ونزار قباني الذي أبهره ساعتها ( 1965 ) سحر الشرق فيها ، فجعلها إحدى تحف ألف ليلة وليلة ، مدينة هذا شأنها ، طبيعي أن يكون الكثير من شعرائها تجاوزوا حدودها وحدود الوطن – رغم التحديات – في فضاء الكون الرحيب ، وفي كتاب ” أدباء ومفكرو القصر الكبير…” للراحل بوسلهام المحمدي، وكتاب ” أقلام وأعلام من القصر الكبير ..” للأستاذ الباحث : محمد العربي العسري أطال الله عمره ما يشفي الغليل وزيادة، وقد كان ذكيا في استباقه الجواب على هذا السؤال، عندما أدرج – في ظهر واجهة كتابه أعلاه – شهادة الكاتب العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي حين قال : “…القصر الكبير أحد أهم مراكز العلم والمعرفة العربية والإسلامية وحاضنة أسماء أدبية كبيرة ومسقط رأسهم ، وهي مدينة وإن نالها الإهمال لسبب أو لآخر فإن وهجها باق ودورها متجدر …”.
* هل يمكنك تعيين ثلاث قصائد لثلاثة شعراء قصريين ؟، عبرت شكلا ومضمونا عما كنت تود التعبير عنه أنت أيضا؟؟
هل في الإمكان تعيين ثلاث قصائد لثلاثة شعراء قصريين عبروا شكلا ومضمونا عما كنت أود التعبير عنه؟؟ أعتقد أن الشاعرين الآخرين سيوافقاني الرأي والاختيار – فهموم الشعر الواحدة – إذا ما اكتفيت بمقتطف من قصيدة ”ألام شاعر” للمرحوم الشاعر محمد الخباز يقول فيها :
ود لم يظهر خبايا نفسه ود لم تتل على الناس سور
كلما أن علت أنــاته وتلتها عنه أفواه البـــشر
هي آلام لديه ولــــــمن رآها سلوان نفس وبـشر
هكذا الأشعار تمسي متعا لنفـوس وبها تــشـقى أخر
* برأيك الشعر هو صناعة أم إلهام ؟؟ وبم تنصح الشباب المبدع في مجال الشعر ؟
وقوفنا عند التعريف القائل بأن الشعر : ” كلام موزون مقفى يدل على معنى ” يجعلنا أمام صناعة ، ووقوفنا عند تعريف عباس محمود العقاد : ” الشعر وجدان ” نكون أمام إلهام ، نحن إذن بصدد صنعة وإلهام لا يمكن أن يستقيما إلا بعنصر ثالث هو تلك اللمسة الداخلية للقصيدة على مستوى الموسيقى والشعور ، والشعراء الشباب هم واقع الأمة ومستقبلها وإذا كان لا بد من نصح أقول : كونوا أنتم .
* الطيب المحمدي استثمر مشاهداته بكل من العراق وسوريا ، ماهي أوجه التمايز والشبه بيننا وبينهم ؟ وماهي دوافع هذه الرحلات التي كادت أن تكون منتظمة ؟؟
ظروف الحصار الجائر على العراق حالت دون زيارته ، بينما شكلت المشاهدات لكل من سوريا وتركيا والأردن و مصر وتونس والأندلس وباريس غنيمة حبلى بأوجه الاختلاف والتلاقي بين الشرق والغرب وشكلت الكثير من تصوري أثثت العديد من قصائدي ، وعن دوافع هذه الرحلات فالتفكير في الوقوف حيث وقف مثلا المتنبي أو البحتري أو ابن عباد أو عبد الرحمن الغافقي وغيرهم هو أمر يستحق العناء .
* تحول اتحاد كتاب المغرب إلى ملحقة حزبية لبعض الأحزاب ، ولم يعد اتحادا من أجل الإبداع .هل أنتم من مؤيدي قول الشاعر معدان الأيادي الخارجي :
سلاما على من بايع الله شــاريا وليس على الحزب المقيم سلام ؟؟
بالمنطق الانجليزي – بما فيه من شوفينية – السياسة ما خالطت فنا إلا شوهت حلاوته ونغصت نشوته لأنها تغالط الواقع بطبعها ، وبمنطق المبادئ الإبداع بكل تجلياته يعكس هذا الواقع ويترجمه فيكون مجبرا بصورة أو بأخرى أن يتخذ موقفا وأن يحمل رسالة ويدافع عن قضية وإلا كان لغطا ليس إلا .
* باعتباركم من رواد القصيدة العمودية ، ماهو تقييمكم لهذا النوع من القصائد، مقارنة مع ما تعرفه الساحة المحلية الشعرية من ظهور أصوات تعلن القطيعة معها …ثم كيف تنظرون لمستقبل اللغة العربية ؟؟
كثير علي أن أوصف بأني من رواد القصيدة العمودية بالقصر الكبير ، ولا يمكنني ادعاء ذلك ، فالرواد فعلا هم جيل العشرينيات والثلاثينيات والكبار من بعدهم ، إنما ، شخصيا ، أجد نفسي اليوم في الشعر العمودي أكثر مما أجدها في المرسل علما أن لي قصائد في هذا النوع من الشعر ، وإعلان البعض القطيعة هكذا مطلقا مع الشعر العمودي فإما نتيجة استلاب فكري ، وفيه من إقصاء الآخر ما فيه ، وأسعى للتحرر من قيود البحر والتفعيلة ولكن، أليس الشعر هو الآخر وزنه وتفعيلاته؟. ثم نجد الواقع الثقافي اليوم كالوجبات الخفيفة لطبيعة العصر الذي نحن فيه ، ” فالحقائق ” نحصل عليها بأقل جهد وأدنى تعب مما ولد بالضرورة نوعا من الفكر الجاهز إلا لدى المهتمين والأكاديميين ، ورغم السعي – بوعي أو بدونه – للنيل من اللغة العربية في تجلياتها العمودية أو المرسلة ظلت لغة الإبداع وروح التعبير ، وما عودة الشباب اليوم إلى الاستمتاع بالقصيد الغنائي إلا مؤثر يشي بالكثير .
* ما تفسيرك للجفاء الحاصل بين أدباء مدينة القصر ؟ وكيف تنظر لمستقبل الشعر بالمدينة ؟
شخصيا لا أرى من جفاء بدلالاته وأبعاده الشخصية بين أدباء مدينة القصر الكبير ، جائز أن نتحدث عن تباعد في حالة أو حالتين وهو قياس لا يعتد به ما دام لم يتحول إلى ظاهرة ، واختلاف الرأي بين المبدعين ما دام يطمح للأفضل هو ظاهرة صحية محسوبة للأدباء وليس ضدهم ، ودعوات تأسيس جمعيات لشعراء وأدباء ومبدعي المدينة التي نادي سابقا إليها الأستاذ مصطفى اطريبق ، والأديب الباحث الأستاذ عبد القادر بن قدور مؤخرا تبين أن أسباب التلاقي أكثر من أسباب الاختلاف .
* قصيدة ” زمن كالمدى أيامه ” وقصيدة في ” رثاء الفقيد محمد أبو الوفاء ” و”زغاريد مبحوحة ” ، صوت الحزن يطغى في مجموع القصائد ، ترى ما مصدر كل هذا الحزن ؟
قصيدة ” طوى البيان ” في رثاء الأديب بوسلهام المحمدي ، بينما ” زمن كالمدى أيامه ” فهي في رثاء الصديق الأستاذ محمد أبو الوفاء ، و”زغاريد مبحوحة ” قصيدة رثائية في تلميذة بإعدادية المنصور الذهبي ، صوت الحزن إذن يفرض نفسه ويستمد مصداقيته مع الأيام وتقلباتها ولعل جوانب البهجة والإشراق فيما قلته من شعر في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات خبا مع ضياع ما كان يمكن أن يكون ديوانا تام المعالم وقد أشار إلى هذا الأستاذ الشاعر : محمد عمر السرغيني – عند مداخلته في حفل توقيع الزغاريد ….
* هل من جديد بشأن ديوان : ” ملح الذاكرة ” ؟ وما آخر إبداعاتك الادبية ؟؟
ديوان ” ملح الذاكرة “ في طريقه للطبع ، وهو المولود الثاني بعد الزغاريد ، لوحة غلافه من إبداع الفنان التشكيلي الأستاذ : محمد اختيو ، القراءة والتقديم للكاتب والناقد الأستاذ : أبو الخير الناصري: قصائد الديوان ما بين مرسل وعمودي …
* إلى أي مدى أثر الأستاذ الراحل محمد الحلوي في شاعرية الأستاذ الطيب المحمدي؟؟
للمرحوم الشاعر محمد الحلوي أثر كبير في إدراكي جمالية ترجمة الشعور إلى شعر حيث كان بعض طلبته بثانوية جابر بن حيان يعرضون عليه بعضا مما يكتبون فيستحسن هذا ويمج ذاك راسما لي على محياه بسمة أدركت كنهها مع مر الأيام ، رحمه الله وموتى المسلمين .
* ماذا يعني لك العمل الجمعوي ؟ وما هي آخر إصدارات جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بمدينة القصر الكبير ؟
العمل الجمعوي هو التزام وتطوع ونكران ذات ثم صبر جميل ، فالكثير يتصيد هفواتك وهذا كل ما يتقنه ، وجمعية البحث التاريخي أدركت قيمة العمل الجمعوي وجسامة المسؤولية التي على عاتقها انطلاقا من التسمية التي تحملها، فقدمت للمهتم المحلي والوطني والعالمي أعمالا لأدباء وباحثين، ولتاريخ المدينة ما يسلط الضوء على ريادتها وتأثيرها .
* كلمة ختامية تنهي بها اللقاء ؟
ما أود قوله في ختام حديثي أني أبارك لأم المدائن القصر الكبير هذا الصرح الأدبي، الذي بجهودكم الدؤوبة والطموحة عملتم على أن يبصر النور، ويقف على قدميه وينفتح شرقا وغربا ، متجاوزين كل العقبات وفي مستوى كل التحديات ، حقيقة أتمنى لكم التوفيق …