ماذا صنع أبي حين عانق رمال الصحراء المغربية؟ / بقلم : زكرياء التمالح
أبي رجل يطل على الثمانين (أطال الله عمره) من مواليد 1946، أي أنه عاصر فترات الاحتلال و الاستقلال. عاش عهد محمد الخامس والحسن الثاني ويعيش اليوم العهد الجديد بقيادة الملك محمد السادس. هذا يعني انه شهد كل تحولات ومراحل بناء مغرب اليوم. مغرب يتطلع الى حظوة ترقى لتاريخ مجيد غابر. عاش أبي زخم المسيرة الخضراء بكل دقائق تفاصيله. يتحسر لعدم المشاركة فيها مع الحشود لأن ظروف عمله منعته.
يذكر طبعاً تلك الحرب القذرة التي اشتعلت بعد المسيرة ضد البوليزاريو (الواجهة) وحلفائها الدوليين (أعداء مغرب الحسن). يستذكر حينها أصدقاء له من الجنود الذين دسّوا اكفانهم بين امتعتهم التي اعتلتها ارواحهم واتجهوا لتلبية نداء الوطن. منهم من عاد حياً ومنهم من عاد.. ملفوفاً في داك الكفن وتلك الراية الحمراء التي أبى أهلها إلا ان ترفرف عالياً فوق مؤسسات السيادة بداك الجزء المقدس،،من التراب الوطني.
_أنا ماعشت وااااالو من هاد الشي.. جيت للدنيا مووور المسيرة سنة 1987_ أواخر صيف سنة 2014 حملت جتتي طائرة الخطوط الجوية الملكية ووضعتها في مطار الحسن الأول بالعيون عاصمة الصحراء. رحت هناك تلبية لنداء الوطن أنا أيضاً. لم أذهب لحمل السلاح، بل لحمل الطبشور. دسست وزرتي البيضاء بين امتعتي فتلك كانت كفني وقد اعتلتها روحي وأعز سنوات شبابي. رحت الى أقصى الجنوب من أجل مقارعة الجهل ونشر الفن الذي امتصصت رحيقه من اقصى الشمال. رحت لأشارك في حرب التنمية التي زرع المغرب بذرتها مباشرة بعد انطفاء حرب العصابات سنة 1991.
دعكم مني الآن. لنعد إلى أبي..في أواخر صيف 2016 زارني حيث كنت بالعيون. كنت حينها في فترة نقاهة تلت وعكة صحية كادت تنهي حياتي. كان ابي يريد ان أغادر فراش المرض في اقرب وقت لأصطحبه الى وادي الساقية الحمراء التي تغنى بها وبرمالها جيل أبي.
تلك اللحظة التي وطأ فيها أبي أولى حبات الرمال.. تلك الرمال التي سقاها شعب كامل بدمائه قبل ماله. تلك الرمال الطاهرة التي يتوق لاحتضانها جيل أبي كما يتوقون شوقاً لمعانقة استار الكعبة أو الصلاة في المسجد الأقصى.
أبي صار طفلاً. تركني عليلاً وهرول نحو الكتبان كأنه سيزيف دون صخرة. يحاول صعودها ويسقط ثم يعود ويعلوها وينتقل الى كتبة أخرى ليفعل نفس الشيء. اثار انتباهي أمران; الأول هو حين استقبل ابي القبلة في أول لحظات تواجدنا هناك. وسجد شكراً لله وكأنه يجتر حسرة ويطفئ لهيبها بتلك السجدة. حسرة استقرت في وجدانه أربعين سنة.
الأمر الثاني هو حين التقط صورة وهو يرفع شارة النصر. لم يكن أبي يوما يسارياً ولا يمينياً. تلك الإشارة استقرت في ذاكرته لأن كل من رفعها (ممن تأثر بهم) كانت قضاياهم عادلة.
السجدة سجدة الحسن الثاني مستكمل الوحدة الترابية. والشارة شارة الشهيد ياسر عرفات وشارة من ارتحلوا دون أبي إبان المسيرة الخضراء سنة 1975 وشارة اولائك الجنود الذين دسّوا الاكفان بين الأمتعة.
حفظ الله السيد الوالد وبارك في صحته وعمره وكل الآباء الكرام.