يضيع في المجتمع العشوائي كل ترتيب أو تخطيط أوتنظيم. فترتفع فيه درجة حرارة المتاعب، حيث يتسيد الظلم، ويرحل الحق، ليسكن مكانا مهجورا يعرفه الأوصياء فقط، يرفع الناس لافتات تعلن تيههم، يغتنمها الأشرار فرصة لاصطياد غنائمهم، تصفع الأيام والسنوات أولاد الحلال، وتكرم وتمجد أولاد الحرام، الذين كانوا بالأمس يعرفون حدود أنفسهم جيدا، داخل مجتمع منظم يخضع للعقلنة وحسن التسيير.
في المجتمع العشوائي، يغزو صوت المآسي مسامعنا كرها، نبحث، في ظل استحالة الإمساك بخيوط الحقيقة من أول وهلة، ونستفسر عن الأسباب والدواعي والحيثيات، فنجد أن كلا يرمي بالكرة للآخر، نتأرجح بين الأيادي، يصيبنا الدوار، فنخلص إلى أن العشوائية تحكمنا في كل شيء يتعلق بحاضرنا ومستقبلنا، بل وحتى بماضينا، إن حاولنا الإلمام به، يأتينا هو أيضا في زي مخالف لواقعه وأصالته.
إن الابتعاد عن التخطيط والتنظيم المسبق لكل الأمور، قاعدة يتبناها الفوضويون المغرضون، لأنهم يجدون مصالحهم في ذلك، يقضونها مختبئين خلف ظلال غيرهم، ولا يهمهم أن يجنوا على مصالح الآخرين. لا يمكن إحقاق حق تحت رعاية العشوائية، ولا يمكن لمجتمع أن يستقيم وضعه، وينشد الاستقرار المطلوب، ويحقق الرفاهية والرخاء والتطور، ومفاتيح الحكم لديه مسلمة للعشوائية.
يفرز المجتمع العشوائي إنسانا غير منضبط، فاقدا للمصداقية في تعاملاته، تافها تجذبه الرياح يمنة ويسرة. وإن إنسانا بمواصفات كهاته لا يمكن الاعتماد عليه في شيء، كما أن مجتمعا تطبعه الفوضى والعشوائية لا قيمة له، موازاة مع نظيره الخاضع للانضباط والتنظيم والتخطيط المحكم.