الجو غائم ولا مطر، خرجت من بيتي أنوي زيارة قبر شقيقتي المرحومة – بإذن الله – بالمقبرة التي تبعد بعض المترات عن المنزل، مع أولى خطواتي في الطريق إلى المكان بدأت بعض قطرات المطر تنزل من السماء، كلما مشيت خطوات أكثر تزايد منسوب الغيث بشكل أغزر، بثياب بسيطة غير مهيأة للاحتماء من البلل واصلت المسير، صوتان بداخلي يتصارعان: أحدهما يرسل إلي أمرا بالرجوع إلى المنزل لكون الجو ممطرا وغير مساعد لإنجاح ما أقدم عليه، صوت ثان يصر على إكمال طريقي ويخبرني أن الراحلة كوثر في انتظار قدومي لإسماعها الدعاء بصوتي والفرح به. لم أأبه للصوت الأول وتابعت طريقي منتصرة للصوت الثاني.
تحت المطر سارعت أقدامي المشي للوصول، وجدت العديد من الناس متظللين بأسوار المقبرة، أخذت مكاني بينهم وأطلقت نظري للقبور ورحمة ربي تنشر خيرها العميم، نبتسم في وجه بعضنا فرحين مهنئين مباركين هطول المطر الذي انتظرناه طويلا، أصوات تردد:
الحمد لله .. الحمد لله على خير الله وعطاء الله. هذا الله الكريم الجواد فماذا عن تحسين أفعالنا وتقواه ؟
منظر عجيب اختلط فيه الحزن مع الفرح، الحزن على فراق الأحبة للأبد، والفرح بنعمة الغيث والسقيا. وما أروع الوقوف أمام عظمة الله وجلاله وهو يبسط يده بالرزق!! وما أعظم أن تستشعر وحوده وأنت بين الأموات تتخيله يقول:
كلكم عبادي، أحياء كنتم أو أموات، وهاذي بعض من رحمتي التي وعدتكم بها، بشراكم اليوم جميعا دعوتموني فاستجبت، أتيتموني فاستحييت أن أردكم خائبين.
شعور جميل وأنت تنصرف من المقبرة بعد أداء الواجب تحت قطرات المطر، لعلها دعوات مستجابة بحول الله، انتفع بخيرها عموم الأموات مثلما انتفعنا نحن الأحياء بالراحة النفسية ونحن بينهم نراقب بحب وتعظيم كرم العزيز الوهاب.
لا إله إلا الله محمد – صلى الله عليه وسلم – رسول الله.