تعرض برنامج ” أحضي راسك” الذي يقدمه الصحافي والإذاعي المتميز محمد عمورة في حلقته الخاصة المعنونة ب ” الخيانة الطبية” لهجوم قوي من طرف الهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء، والذين لم ترقهم حلقة البرنامج واعتبروها اتهاما مجانيا للجسم الصحي، فطالبوا الهاكا بالتدخل وراسلوا وزير الصحة لمزيد من الدعم والمساندة والتعزيز، هذا الأخير الذي استجاب وقدم شكاية إلى الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ودعاها إلى منع حلقة قادمة من هذا البرنامج ستسلط الضوء على موضوع ” طب التجميل” وما يعرفه من خروقات وتجاوزات ونصب واحتيال واستغلال فاحش لجيوب المواطنين وصحتهم.
المعروف عن برنامج ” أحضي راسك” الذي تبثه الإذاعة الوطنية بالعاصمة المغربية الرباط أنه برنامج إجتماعي صرف، يعالج قضايا النصب والاحتيال التي تنخر مجتمعاتنا، فيبرز مكامن الخلل وينتقد السلوكات التي تيسر عمليات النصب، ويحذر من الوقوع في فخاخه بعدم الثقة في كل ما يعرض على الناس من خدمات، خصوصا منها التي تتظاهر بتقديم عروض خيالية وتسهيلات مبالغ فيها لجذب أكبر عدد من المستهلكين، كما يقدم البرنامج نصائح قيمة ومفيدة من شأنها أن تنأى بالفرد عن هذا العالم الاحتيالي الإجرامي، ويتقي شره الذي تكون له أضرار جسيمة على نفسية الأشخاص أولا، وعلى أموالهم وصحتهم وممتلكاتهم بشكل عام.
المعروف أيضا أن الصحافي ” محمد عمورة ” يعتبر من الكفاءات الإعلامية المغربية الكبرى التي لها باع طويل في المسار المهني الصحافي والإعلامي، رجل متمرس مشهود له بالحكمة والرزانة وحسن تقديم برامجه، نشط العديد من البرامج التلفزية والإذاعية منذ عقود، ويعتبر وجها مألوفا لدى المغاربة سيما وقد ارتبط اسمه بشدة بالبرامج ذات الطابع الإجتماعي المحض.
إن المتتبع لحلقة ” الخيانة الطبية” التي تطرق إليها برنامج ” أحضي راسك” مؤخرا، يلاحظ بأن مقدم البرنامج ” محمد عمورة ” خصص في كلامه ولم يعمم، كما أنه وجه تحية في بداية البرنامج لشرفاء المهنة بالقطاع الصحي، منبها إلى أنهم غير معنيين بما تتناوله الحلقة من حيثيات، بقدر ما هي موجهة إلى عدماء الضمير بالقطاع، أولئك المتاجرين بصحة المواطنين، المحتالين على الناس من منطلق صفة الطبيب التي يحملونها دون ضمير مهني وإنساني مستحضر . إلى جانب ذلك، قدم ” عمورة ” صورا من الواقع يتم فيها التلاعب بصحة المواطنين من طرف عدماء الضمير كما أسماهم، منهيا الحلقة بطلب موجه لهيئة الأطباء يحث فيه على تنقية القطاع من المسيئين إليه والضارين به.
وعليه، فلا يوجد أي داع لشن أي نوع من الهجوم على البرنامج ومعده، مادام يشتغل بمهنية وضمير وباحترافية كبيرة لم يخالف فيها قواعد وأصول العمل، سيما وأنه تعرض لفئة خاصة من المنتسبين للقطاع الصحي، تلك الفئة التي يلزم تنظيف الجسم الصحي المغربي منها، لكونها تشكل خطرا كبيرا على القطاع برمته، وعلى الممارسين الفعليين الأكفاء، وعلى المواطنين حتما.
إن قول أن الحلقة تضمنت بعض التعابير والعبارات التي تهدف إلى التحريض ضد الأطباء وتخوينهم، وضرب مصداقيتهم وتبخيس مجهوداتهم هو قول غير صحيح، لأن المتحدث عنهم من الأساس ليسوا بأطباء، اللهم إذا كنا نعتبرهم كذلك وهم الذين يقطعون ويشرحون في أبدان الناس بدون موجب حق وتحت غطاء مهنة الطب النبيلة التي تتبرأ من جرمهم وسلوكاتهم اللاإنسانية، تحقيقا للربح المادي والثراء اللامشروع ليس إلا. فأين هي المصداقية هنا والتركيز أولا وأخيرا منصب على الجانب المالي؟
أما عن مساهمة البرنامج في زرع بذور فقدان الثقة لدى المرضى اتجاه الطبيب واتجاه الدواء الذي يصفه الطبيب لمرضاه، فهذه حقيقة لا تخفى عن العوام، وليس البرنامج من يساهم في زرع بذور فقدان الثقة في الطبيب، إنما ترك المفسدين العابثين بالصحة العامة للمواطنين بدون زجر وعقاب، وبدون تدخل بالمتابعة، هو الذي يساهم في ذلك.
برنامج ” أحضي راسك” هو برنامج يسدي خدمة إعلامية تنويرية، تهدف إلى التوعية والتحسيس بدل التضليل، ويسعى إلى فتح بصيرة الناس على الخطر الذي يحدق بحياتهم، وهذا واجب من واجبات الإعلام الشريف النزيه ،ومسؤولية مشروعة من المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقه.
يتيبن جليا أن البرنامج لم يخرج عن نطاق أدائه لواحد من واجباته، وأنه لم يسئ للقطاع الصحي المغربي كما يتم الترويج، إذ المسيئ الحقيقي له هم هؤلاء الفئة التي تتوسع يوما عن يوم، وتفرز لنا حالات كارثية مقلقة ومؤذية للمشاعر والنفوس.
كان حريا بهيئة الأطباء أن يشكروا السيد ” عمورة” على هذه الخطوة الإعلامية الجبارة التي مد فيها يده كإعلامي للعمل إلى جانبهم من أجل صيانة القطاع الذي ينتمون إليه، عوض أن يحتجوا عليه ويهاجموه ويطالبوا بتوقيف حلقة من برنامجه أو البرنامج ككل، كان عليهم التفاعل بإيجابية لصد العابثين بالقطاع، ولكنهم أساؤوا الفهم وضلوا الطريق، وهم بذلك يتطاولون على حرية التعبير المكفولة قانونا، ويكرسون مبدأ القمع والمنع وحجب المعلومات والتكتم عليها.
الإعلام المغربي غير مطالب نهائيا بأن يكون إغلام ” قولوا العام زين”، بل هو إعلام ملزم بالوقوف على السلبيات والخروقات التي تعرقل مسار البلد نحو التقدم، كما التنويه بالايجابيات التي تسير به نحو الأفضل، وحيثما كان هناك ما يضر بالصالح العام وجب تسليط الضوء والتحذير والاستنكار والتعبير عن الاستياء وعدم الرضى، أملا في تحقيق تغيير جذري يساهم بشكل أقوى في تقويم الأمور والعودة بها إلى الأصل الصالح والمفيد وليس الخبيث المدمر.
كفى من تكميم الأفواه وضرب حرية الإعلام والتواصل عبر وسائل الاتصال المختلفة، كفى من الحد من حرية التعبير، ولنعمل جميعا على خدمة الصالح العام، وفضح الفساد والمفسدين وصيانة كل القطاعات مما يلوثها ويؤذيها داخليا وخارجيا، حماية لحقوقنا وضمانا لحياة إنسانية أجمل.