استراحة محارب أم انكسار كاتب حالم؟
يعلل بعض الخبراء في الإقتصاد بأن الإقتصاد في البلاد استعصى على الأزمة الإقتصادية العالمية لكونه اقتصادا غير مهيكل وكل ضربة تصيب قطاعا لا تؤثر بالضرورة على القطاع الآخر لأنه لا يربطه به رابط.
في الحقيقة، ليس فقط الإقتصاد في البلاد الذي ليس مهيكلا، فكل مناح الحياة المادية والرمزية غير مهيكلة بما في ذلك الثقافة والإنتاج الثقافي ولو أنه، من الأفضل التدقيق في مفهوم الثقافة في البلاد وتمييز المجال الفرنكوفوني فيها عن المجال العربوفوني.
فالمجال الأول، الفرانكوفوني، مدعوم بالإنتاج المادي والرمزي الفرنسي وبالهالة التي تحاط بالمثقف في فرنسا من خلال احترام المثقف لذاته واحترام القراء للمثقف. أما في المجال العربوفوني، فالأمر مختلف حيث ليس للمثقف “وضع اعتباري”. حتى الوزارة الوصية على الثقافة تتعامل مع المثقف “تعامل الراعي مع رعيته”.
يراد للغة العربية، في هذه البلاد, أن تتحمل وزر الثقافة العربية واللغة بريئة منه. اللغة مجرد حامل قد يحمل فاكهة فردوسية كما قد يحمل سلاحا لتصفية الحسابات. التهمة، إن كان لا بد من توجيه تهمة، يجب توجيهها ليس ل”الحامل” في حد ذاته ولكن ل”الهدف” من وراء الاستعمال. ولعل الفرق يبدو جليا عند مقارنة الأدب المغربي العربوفوني بالأدب المغربي الفرانكوفوني.
فالفرق بين الأدبين المذكورين لا يتمثل فقط في الاختلاف في التعامل مع المفاهيم والاشتغال بها، بل يتجاوزه إلى نوعية الإنتاج وشكل التجاوب معه ومع منتجه. حيث يلاحظ أن الكاتب الفرنكوفوني، مثلا، يلاقي احتراما أكبر من ذاك الذي يتلقاه الكاتب العربوفوني لكون الثقافة في السياق الفرنسي هي الخلفية الأبرز والمثقف يحظى بوضع اعتباري مميز يستمده من وقوفه إلى جانب الثورة الفرنسية على مدى محطاتها. لذلك، فلا غرابة حين يصبح قدر الكاتب العربوفوني في المغرب كما في سائر البلاد العربية هدفا للرماح والإشاعة والتبخيس…
أذكر أنني، عندما قررت الكتابة باللغة العربية بعد تخرجي من الجامعة، تفاجأ بعض رفقائي للتحول الذي أعلنته بينما استبشر آخرون للأمر فيما صدم الباقون ممن رأوا في الأمر “تطاولا” على “لغتهم” و”أدبهم” وكأنني “أجنبي”، ولست لا “مغربيا” ولا “عربيا”.
فمجرد دراسة لغة أخرى والتكون في أدب آخر كفيل، في نظرهم، ب”إلحاقك” بتلك اللغة وذلك الأدب في الحياة الدنيا على أن “تبعث” مع قوم تلك اللغة وذلك الأدب في الحياة الآخرة. كعادتي، لم أصغ لأحد من “الغربان” ولم يثبط همتي أحد من “وحيدي القرن”. اقتحمت مجال الكتابة الإبداعية باللغة العربية في بداية التسعينيات من القرن العشرين وطورت لغتي ووسعت دائرة معارفي بلغتي وأدبي.
وكانت تجربة أعتز بها لأنني أستمتع كثيرا الآن بقراءة المنشور من نصوصي وأعمالي بل أتساءل أحيانا إن كنت فعلا مؤلفها. وربما هذا هو الإحساس الذي يخامر من يريدونني ان أنتبه إلى “زوابعهم” الصغيرة في فنجاني. سيرا وراء طريقة سمك السلمون، سأعود إلى نبعي لأغيب وسأترك لهم البحر، كل البحر، عساه يروي ظمأهم لإلغاء الآخرين والظفر بالسراب.
—-
(يتبع)