تحيا الأمة بإحياء لغتها، والأمة العربية ملزمة اليوم أكثر من أي وقت مضى بإحياء لغة الضاد، بعد الذي طالها من تهميش وطمس واستخفاف واستهتار بقيمتها، وبعد الذي شابها من فيروسات انتشرت بين حروفها وجملها ونصوصها، فصارت متداولة بين الناس، ظنا منهم أنها الصواب، والحقيقة أنها أخطاء شاعت بينهم، واستوجبت التدخل بالتصويب.
تفوقت اللغة العربية على كل اللغات، وشهدت انتشارا واسعا ملحوظا، لأنها لغة القرآن الكريم، ولغة الكتاب والسنة، كما تحدث عنها ابن تيمية رحمه الله : ” نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”.
إنه لمن المؤسف حقا، أن نجد بعض المغاربة في مراكز القرار، وزراء ومسؤولين، يمتعضون من اللغة العربية ويتأففون منها، ويدعون إلى استبدالها بلغات أخرى ترضي أهواءهم وأمزجتهم، في حين هناك من المستشرقين من وجدوا في اللغة العربية متعة وإبداعا وعظمة، وهذا أحدهم يقول : ” لا يوجد على وجه الأرض لغة أعظم من اللغة العربية، لكن ليس على وجه الأرض أمة تسعى – بوعي أو بدون وعي – لتدمير لغتها مثل الأمة العربية”. كلام نلمس مصداقيته على أرض الواقع، حينما تصر المناهج الدراسية على اعتماد لغات أجنبية إجباريا في التعليم، وحينما يكون التعامل الرسمي مع الإدارة بلغة العجم، وليس بلغة الضاد التي تعكس هويتنا وجذورنا التاريخية، وحينما يطل علينا أشخاص يطالبون باستبدال اللغة العربية الفصيحة بالعامية، مبررين مطالبهم بحجج واهية مستفزة تارة، ومضحكة تارة أخرى، وحينما يصبح الحديث باللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية لدى البعض دليلا على التحضر والتقدم، فيتباهون بصنيعهم كما لو أن الثقافة كل الثقافة اجتمعت لديهم وكفى.
نحترم كل اللغات، ونحن مع الانفتاح عليها، وفي ذات الوقت، نحن مع اللغة العربية، التي صارت في الوطن العربي – للأسف – وخارجه، لاتُحتَرم ولا يُمنح لها التقدير المطلوب. ولا عجب أن تنصت لخطابات بعض العرب وقراءاتهم، أو تطالع كتاباتهم، فتسمعهم وتقرأ لهم رافعين المفعول به، وناصبين الفاعل، وجارّين في غير محل جر، مشوهين العربية تشويها غير مسبوق، ومضيعين المعنى ومعه حلاوة اللغة وفصاحتها وبلاغتها المعهودة.
في مختلف وسائل الإعلام، العادية منها والإلكترونية، لابد من حضور الركاكة، ولا بد من المرور بأخطاء فاحشة، إن على مستوى النطق أو الكتابة، لدرجة أن الناس اعتادوا على الأمر، وربما قلدوه من دون وعي من شدة تكراره.
لماذا ضيعنا لغتنا الأم ورضينا بلغات دخيلة ؟
كيف نطمح للرقي والحضارة ونحن لم نحافظ حتى على لساننا الذي نمثل به أنفسنا، ثقافتنا الأصيلة، ديننا الحنيف، أفكارنا المستقلة البعيدة عن التقليد الأعمى ؟
لو لم نسمح للغرب باكتساحنا لغويا تحت مسمى العولمة ما كانت لغتنا قد تضررت بالصورة التي تؤلمنا اليوم، ولو كنا تشبثنا بقوة بلساننا العربي الفصيح ورفضنا أي بديل آخر له، لظلت لغة الضاد مصونة محفوظة، ولو أننا من فرضنا العربية في وجه العولمة كسلاح مضاد ومقاوم يحمي ثقافتنا وهويتنا الأصيلة، لكنا كفينا أنفسنا شر ما نعيشه اليوم من تبعية واستيلاب، لو تباهت جالياتنا بالخارج بالعربية أمام العجم مثلما يعودون إلى أوطانهم يتباهون بلسان الغرب، لكان حالنا وحال العربية أفضل مما هو عليه.
جميعنا ساهم في الإضرار باللغة العربية، وعلى العموم تقع مسؤولية رد الاعتبار لأسمى لغة، وأرقى لسان، وأعظم فصحى.
وهنا نتذكر قول الشاعر أحمد شوقي مفاخرا باللغة العربية :
إن الذي ملأ اللغات محاسنا **** جعل الجمال وسره في الضاد.