عبد السلام عامر اسم لا يمكن أن ينساه المغاربة وكثيرٌ من العرب، إنه ابن مدينة القصر الكبير الذي نبغ في فنون عديدة قبل أن يسطع نجمه في سماء الألحان والموسيقى الراقية.
يقول عنه رفيقُ دربه الشاعرُ الراحل محمد الخمار الكنوني رحمه الله تعالى: ” إن علاقتي بالأغنية المغربية هي علاقة صدفة وعلاقة عابرة. وهذه الصدفة ارتبطت بالأستاذ المرحوم الصديق العزيز عبد السلام عامر الذي كان رفيق طفولتي ودراستي، حيث درسنا معا في المدرسة الإبتدائية وفي المعهد الديني، وكنا لا نكاد نفترق سنوات طويلة حتى استقر في مدينة الرباط وبعد ذلك في مدينة الدار البيضاء حيث توفي رحمه الله. وكانت للمرحوم عبد السلام عامر ميول أدبية فنية مسرحية قصصية، إلخ. وهذا هو الذي كان يجعلني قريبا له وكان يجعله قريبا إلي. فالناس لا يعرفون من عبد السلام عامر إلا الملحن. وأنا بالنسبة إلي الملحن لا يكون من عبد السلام عامر إلا جزءا من كل، فهو عبد السلام عامر المثقف، الفنان، القصاص، الشاعر إلخ. ولكن قدر له لسبب أو لآخر أن يعرف كموسيقي، وكان من الممكن أن يعرف بشيء آخر ” (1).
ولد عبد السلام عامر بمدينة القصر الكبير الواقعة شمال المغرب، وذلك سنة 1939 ميلادية، عاش كفيفا، واشتهر بموهبة الحفظ لكل ما يبلغ مسامعه من معارف أدبية وفنية، كما اشتهر بسرعة البديهة والذكاء الحاد، نظم الشعر وشارك في أعمال مسرحية، وذاع صيته في فن التلحين الذي ظهرت مواهبه الأولى فيه في فترة المراهقة، حين كان يلحن أناشيد يرددها رفقة زملاء الدراسة. خرجت أولى ألحانه نهاية الخمسينات وهو لم يتجاوز العشرين من عمره، حيث كانت أغنية ” ما بان خيال حبيبي ” أولى الأعمال التي قام بتسجيلها بصوته لإذاعة طنجة، ليسجل بعدها قصائد ” قالت لي روح ” و ” رمضان “.
لم يَخْلُ المسير الفني لعبد السلام عامر من العراقيل والصعاب، لكنه كان يواجه ذلك كله برفع التحدي وإعلان الصمود والمقاومة من أجل تحقيق مبتغاه، سجل ألحانه الأولى رفقة الجوق الجهوي بفاس، حيث تعرف هناك على الفنان عبد الوهاب الدكالي الذي كان هو أيضا في بداياته الأولى، فغنى بألحان عبد السلام عامر قصيدتي ” آخر آه” و ” حبيبتي” اللتين حظيتا بنجاح باهر.
ثم كان ميلاد رائعة ” القمر الأحمر “، فرسخت أقدام عبد السلام عامر في مجال التلحين رسوخا كبيرا، وسطع نجمه حتى قيل إن الموسيقار محمد عبد الوهاب كان قد استمع لها مرتين قبل أن يضعها في خزانته الموسيقية. لقد يسرت رائعة ” القمر الأحمر” سبل التعامل والانفتاح على أصوات فنية متألقة، من قبيل: عبد الهادي بلخياط، بهيجة إدريس، عبد الحي الصقلي، سعاد محمد، إسماعيل أحمد، محمد الحياني وغيرهم.
سافر عبد السلام عامر إلى مصر، وعاد منها إثر انداع حرب 1967، استقر بحي سباتة بالدار البيضاء، وصار يتنقل بين الفينة والأخرى إلى الإذاعة المركزية بالرباط لتسجيل ألحانه الوطنية والعاطفية.
تعامل الراحل مع الكثير من الشعراء، أبرزهم رفيق دربه وابن مدينته الشاعر محمد الخمار الكنوني، والشاعر عبد الرفيع جواهري، والزجال حسن المفتي، والشاعر مصطفى عبد الرحمن، والشاعر عمر أبو ريشة. وقد خلف رحمه الله الكثير من الروائع الخالدة، نذكر منها لحن قصيدة القمر الأحمر، ولحن قصيدة ميعاد، ولحن قصيدة الشاطىء للشاعر مصطفى عبد الرحمان، ولحن قصيدة راحلة التي غناها الفنان الراحل محمد الحياني، ولحن قصيدة دنيا للشاعر عمر أبو ريشة، ولحن قصيدة سبحان الإله التي غنتها الفنانة المتألقة سميرة سعيد …
ومما يسر على الرجل تلحين القصائد، وجعله ينبغ فيها، أنه كتب الشعر في مراحل سابقة من حياته. يقول الشاعر محمد الخمار الكنوني: “… أذكر أن المرحوم عامر كانت له محاولات شعرية، ولكن لم يقدر لها أن تنتهي وتتطور “(2).
وفي سؤال وجه إليه حول ما أضافته الأغنية العامرية إلى الأغنية المغربية أجاب الخمار الكنوني قائلا : ” أظن أن الجميع يعرف أن الأغنية المغربية على يد المرحوم عبد السلام عامر قد عرفت انعطافا قنيا كبيرا، من الحق أنه باستثناء أحمد البيضاوي والأستاذ عبد الوهاب أكومي، فعبد السلام عامر يمثل ذروة من ذرى الأغنية ليس في المغرب فحسب، وإنما في العالم العربي”(3).
رحل رجل الكلمة واللحن والأداء كما وصفه رفيق دربه الشاعر محمد الخمار الكنوني في مثل هذا اليوم، 14 ماي من سنة 1979، وترك آثارا جميلة تدل على عبوره المتميز في هذه الدنيا الفانية.غير أن من دواعي الأسف الشديد أن تتعرض أعمال عبد السلام عامر لشتى أنواع الاستغلال والاستثمار من جهات متعددة ومختلفة، وأن تلقى تهميشا ذريعا بعد رحيله رحمة الله عليه.
وإذ نستحضر اليوم ذكرى وداع الموسيقار المتعدد المواهب الراحل عبد السلام عامر فإننا نضم صوتنا إلى صوت صديقه الراحل أيضا الشاعر محمد الخمار الكنوني تغمده الله بواسع رحمته الذي طالب قيد حياته بأن تحترم الحقوق الفنية لعبد السلام عامر ولا يتلاعب بها أو يتم استغلالها استغلالا فاحشا، حيث قال:.“.. أمام ما عرفته العديد من أعمال الفنان عبد السلام عامر من نهب وسطو وتهميش بعد وفاته خصوصا، يجعلنا نطالب باحترام الحقوق الفنية لهذا الفنان، وعدم التلاعب بها أو استغلالها بطرق غير مشروعة من طرف أية جهة من الجهات إلا بطلب من الأطراف المساهمة في إنتاج هذه الأغاني”(4).
رحم الله تعالى عبد السلام عامر ومحمد الخمار الكنوني وغيرهما من المبدعين المغاربة الذين نقشوا أسماءهم من ذهب في مختلف حقول الفن والإبداع.
الإحالات:
(1) مع محمد الخمار الكنوني في آثاره الأخرى”، لمحمد العربي العسري، منشورات جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير، ط01، 2018م، ص 94.
(2) المرجع نفسه، ص 98.
(3) نفسه، ص99.
(4) نفسه، ص107.