العرض .. نقطة حساسة في كيان المرء ، إذا لونها البياض زادته رفعة وسموا وعلو شأن ، وإذا لونها السواد حطت من قدره وعاش مذلولا مهانا بين الناس . هو الشرف الذي لا غنى للإنسان عنه ، هو الجوهرة الثمينة التي إن ضاعت استحال الحصول عليها من جديد ، وهو الماضي و الحاضر و المستقبل الذي إذا ذهب لن يعود .
المثير للدهشة و الحزن في مجتمعاتنا هو أن تصبح أعراض الناس متعة ومحط تسلية يمرر بها البعض أوقاتهم ، ومناسبة سعيدة يلتقون عبرها ويجتمعون للخوض في عرض هذا وذاك ، بدافع انتقامي مرة ، وبسبب كره وحقد نابع من فراغ، وحب ذات زائدة مرة ثانية، أو لعادة تم سنها من صميم عشق الفتن وترويج الأكاذيب .
فالجلسة تحلو وتطول باستحضار سيرة القريب و البعيد بالسوء ، إيذاء معنوي ، نيل من كبرياء العباد ، ظن سيء ويقين مفقود ، ألسن تتلفظ ألفاظا نابية تجرح الإحساس وتخدش الحياء وتقتل الكرامة .
قذف مبني على باطل :
شاءت الأقدار أن تتعرض إحدى قريباتها لأزمة صحية مفاجئة ، اضطرت لمرافقتها الى المستشفى و المكوث إلى جانبها طيلة الليل تترقب تحسن الحال ، ومع بزوغ أول إطلالات الصباح غادرت صاحبتنا المستشفى في اتجاه بيت الأهل والأقارب تخبرهم بآخر التطورات المتعلقة بصحة القريبة، علامات التعب والإرهاق كانت بادية على شكلها العام، فهي لم تنم و الهلع كان يسكن جوفها ، وبينما هي مارة بالشارع العام تصادف مرورها بمرور شخص غريب لم يتأخر في قذف عرضها وهو يقول : تراك أين بت وفي منزل من قضيت الليلة يا جميلة ؟؟
من إخوة الى خلان :
خطيئتهما أن وجه الشبه غير وارد بينهما، خرج الشاب برفقة أخته لقضاء بعض المآرب الخاصة بشؤون وتدبير منزلهما، وجد نظرات غامضة تلاحقه وشقيقته وسمع كلاما لم يفهم له معنى غير أنه يصب في النيل من كرامته وكرامة أخته التي أنزل وإياها منزلة خليل وخليلة رغم اختفاء أي شبهة تزكي هذا الإتهام، إذ أن ما تم التخمين و التفكير فيه من قبل الغير لم يكن له خلفية مهيأة سوى أن الموصوفين بالشر هما من جنسين مختلفين، وشابين متقاربين في السن خرجا يقتسمان المسؤولية فلم يرحمهما الأغراب بألسنتهم وشكوكهم .
محاسن تندثر وعيوب تتضخم :
جمعتهم أقوى اللحظات، عائلة إلى جانب أخرى كانتا على مشارف المصاهرة وكان أبناؤها على موعد مع تكوين أسرة وبناء عش زوجي، لم يكتب للموضوع أن يكتمل ، تشتت الشمل وكان الفراق وراح كل الى حال سبيله ، فوجد المتطفلون و الحشريون الفرصة لنفث شرورهم، لم تقل الأطراف المعنية بالموضوع أن الحياة قسمة ونصيب وكل يأخذ نصيبه والنصيب لم يكن حليفهم، بل المسار أخذ اتجاها آخر ذم فيه الأول الثاني وهتك ستر العورات وضخم العيوب، واجتهد في تلويث السمعة وتدنيس الشرف بمساعدة الناقمين الحاسدين ، الذين لم يظهر لهم أثر في أجواء الفرح في حين تعزز حضورهم عند التفرقة .
الصور الإجتماعية التي تعكس واقع الناس مع أعراضهم التي تهان دونما سبب منطقي يذكر عديدة ، ولا تتسع لها سطور وصفحات، تكون مؤلمة بدرجة الألفاظ القاسية التي استعملت في التعبير عنها، تكون موجعة بحجم الأذى الذي سعت إليه، تكون مدمرة بقدر التقنية التي دبرت بها وأكسبتها صيغة الحق وهي باطل في باطل.
ما علينا إدراكه ووعيه هو أن أعراض الناس من أعراضنا ، إن ذكرناها بخير بعث الله لنا من يذكرنا بخير ولو من غير علمنا ، وإن لوثناها بألستنا ولطخنا نقاءها حصلنا على عقاب دنيوي يماثل ما قمنا به في حق غيرنا، وعقاب أخروي سينتظره كل متطاول وصاحب لسان لاذع لاحقا بدار الخلود بعد الموت ، حيث ليس هناك أفضل من أن نتقي الله جميعا في بعضنا البعض ، ونضع نصب أعيننا شعارا يحمل تذكيرا مفاده : يوم لك ويوم عليك.