لبس القبح لباس الجمال وتزين للناظرين، انتعل الكذب حذاء الصدق وساح في الأرض يعبث كما يشاء. تنظر في وجوه الناس المبتسمة تثق بابتسامتهم، فتكتشف مع الوقت أن تلك الابتسامة ملغومة. تسمع أحلى الكلام وأعسل الوعود، يأخذك الحماس إلى بعيد، وتنتقل بك السعادة إلى البرزخ، ومع توالي الأيام تستيقظ على صوت انفجار، يؤكد لك أن ما حولك ملغوم، ظاهره ليس كباطنه، وجوهره ليس كسطحه، ولبه شيء وقشوره شيء آخر .
حياتنا صارت ملغومة، أو لعلها هي كذلك من البداية، ونحن من كنا ساذجين، نصدق كل صغيرة وكبيرة بها في براءة، اللغم ساكن بها لا يفارق مكانا، والأزمنة بتلاوينها تثبت بين الحين والحين أن الألغام موجودة، تختفي أو توحي للمرء بالاختفاء، كي يطمئن في سيره، لتفاجئه في أول الطريق أو وسطه أو آخره بشرارات جحيمها المذيب للذات البشرية.
من تحدث .. من تصاحب .. من تعاشر .. من تؤمّن .. من تستأمن .. من تولي ثقتك .. لمن تهدي براءتك .. من تقصد في الشدة ليخفف عنك .. من يرحم اختناقك ويقدر عطاءك .. من يعترف أنك على حق .. من يشاركك الطريق بحب نقي .. من يصدقك القول قبل الفعل .. من يخلصك النية .. من يفعل كل هذا ؟؟
في ظل حياة ملغومة، يفقد كل شيء الاستقرار والوضوح، الفرح يغدو مطبوعا بالمرارة، والشجن يصير مصبوغا بالدهشة، والأمل تدحره الصدمة، والإنسان لا يظل إنسانا وإن بدا كذلك، ‘لا من رحم ربك، إنه صانع الألغام والراعي الأمين لها.