محمد السرغيني: حقل الموسيقى يعرف نكوصا ومخاضا مؤلما سببته موجات الماركيتنغ والهرولة وراء الربح السريع والبحث عن الانتشار بأي وسيلة
نرحب بك أستاذ محمد السرغيني شاعرا وفنانا، ملحنا ومطربا. ونشكرك على تلبية دعوة مدونة أسماء التمالح، لإجراء هذا الحوار الذي نتوقع أن يكون ممتعا ومفيدا للقراء والمتابعين.
نود في البداية أن نسألك أستاذ السرغيني، عن سر حرصك في الكثير من الأحيان على الحاق لقب ” القصري” باسمك، هل هو اعتزاز بالانتماء للقصر الكبير، أم تمييز مقصود الغرض منه عدم الخلط بينك وبين الشاعر محمد السرغيني المعروف ابن مدينة فاس؟
بدءا شكرا لدعوتك لي لإجراء هذا الحوار الذي أتمنى أن يروق متتبعي مدونة أسماء التمالح كاشفا عن بعض خبايا ودقائق تجربتي الإبداعية. إجابة عن سؤالك قد أتقاسم مع الشاعر الكبير الأستاذ محمد السرغيني هواجس الشعر والآداب لكن روافدنا الفكرية والعلمية مختلفة من حيث إنني وافد على الشعر والموسيقى من تخصص علوم الحياة والأرض إلى جانب تكويني في ديدكتيك العلوم وفلسفتها والتقويم التربوي.
أما حرصي على الانتساب إلى مدينتي القصر الكبير فنابع من كونها محياي mon biotope ومنشئي، فيها شهقت أول مرة وتنشّقت ثنائي الأوكسجين و شربت جرعة الحياة الأولى و رشتني رياح الإبداع ومسّني جنون اللحن والحرف والنغم و قِيم تسكنني تسم شخصيتي إنساناً ذا هوية أرضية une identité terrienne .فمن دُبال القصر الكبير وحيّ باب الواد( قبل أسكرينيا الأندلس حاليا) ، حيث ترعرع جلّ مثقفي ومبدعي المدينة بزغت براعم نشأتي الفنية وتشكّلت ملامح شخصيتي بما تحمل من آمال و تحدٍّ وتَوق إلى المعرفة والجمال و الخير.
ارتباطا بالسؤال الأخير، من هو محمد السرغيني؟ وكيف كانت البداية مع الموسيقى والألحان ؟
كأني أفهم سؤالك عن صفتي شاعرا وملحنا.فقد نشأت يتيما بعد رحيل والدي ولم يتجاوز عمري بعدُ سنَّ الخامسة .( كان والدي رحمه الله من أوائل الممرضين بمشفى الخلخالي في القصر الكبير ).وخوفا علي من التشرد لجأت أمي رحمها الله إلى تربيتي بصرامة من تريد أن أصبح ذا شأن في المستقبل فحصَرتْ علاقتي بالحياة مابين جذران البيت والمدرسة مانعة إياي من ارتياد أي فضاء عدا دار الشباب في أوقات محسوبة. ولم أجد من صديق سوى المذياع وماكانت تبثه الإذاعة الوطنية وإذاعتا طنجة وفاس من روائع الموسيقى المغربية والعربية ومن برامج ثقافية أدبية (برنامج ناشئة الأدب مثالا الذي كان يعدُّه ويقدمه الشاعر ادريس الجاي) وتاريخية ومسرحيات.ترتب عن ذلك إشباع ذاكرتي قبل الأوان بجمال الأنغام والإيقاعات والقصائد مُغنّاة أو غيرها لكبار المبدعين في الوطن العربي.
وبدأت ملامح موهبتي كصوت غنائي تتشكل ليكتشفها أساتذتي في المدرسة الإبتدائية ورفاقي والمدينة بعد ذلك حين وسمتني بالصوت الغنائي القادم بإلحاح وقدمتني إلى الفنان الكبير عبدالوهاب الدكالي سنة 1969 على خشبة مسرح اسطوريا بمناسبة جولة فنية موسيقية أثثتها أيضا أصوات الفنانين محمد فيتح ومحمد المزكلدي ومحمد الشريف.وشفَّ من المسابقات الغنائية في المدينة وجهة طنجة تطوان بدور الشباب آنذاك أثر كبير في تميزي وصقل موهبتي إذ لم يكن المعهد الموسيقي قد أنشئ بعد في القصر الكبير.
ولعل حفلات اختتام المواسم الدراسية أجّجت من تفتق ميولي الموسيقية قبل الشعر فكنت أقيِّم أي نص شعري أقرأه من خلَلِ ذاقتي الإيقاعية الموسيقية لاسيما وأني تتلمذت على أساتذة متمكنين من اللغة العربية والكتابة الشعرية من بينهم الشاعر محمد الحلوي بثانوية جابربن حيان في تطوان. وتعرّفت عازفين متميزين في أجواق الشمال في مناسبات احتفالية شاركت فيها بأداء أغاني صعبة تفوق سنّي ما خوّل لي أن أربي حنجرتي على الترنيم وأنمي طاقتي الصوتية على الغناء وفق أبعاد السلم الموسيقي العالمي وأيضا أن أكتسب الثقة في قدراتي الفنية بالرغم من خجلي الذي لايزال يحاصرني لحد الآن.
كيف استطعت الجمع بين موهبة الشعر وموهبتي التلحين والأداء ؟
لم تشأ ظروف الدراسة أن تسعفني في التفرغ للغناء سيما بعدما عاينت ما جعلني أتشرنق مُخفيا موهبتي وقاصرا إياها على نفسي ورفاقي ومناسبات عابرة.وعوضت عن ذلك بإيلاء دراستي ومهنتي كأستاذ ثم مفتش لعلوم الحياة والأرض اهتماما زائدا وعنيت بتفعيل الحياة المدرسية بإقليم العرائش بالإشراف على تكوين وتأطير كافة الأندية الصحية والبيئية رفقة نخبة من خيرة أساتذة التعليم الثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي.
استمرت الحياة بمواكبتي لكافة الأنشطة الثقافية العلمية والأدبية بمدينتي القصر الكبير والعرائش والانكباب على قراءة مايرتبط بالنقد والعروض والأسلوبية وتتبع الجدل الناشئ عن سبل تحديث القصيدة العربية إلى جانب تخصصي الأكاديمي،إلى أن حدث التحول بإثارة من شخصين: أحدهما الدكتور محمد الشدادي الذي دعاني بإصرار إلى كتابة الشعر لما لمسه في شخصي البسيط من مؤهلات تسعفني في ذلك، فكانت قصيدتا عتاب (عمودية) وحنين (قصيدة تفعلة) التي حظيت بنقل على أمواج إذاعة وجدة الجهوية بصوت الشاعر الدكتور محمد بنعمارة في برنامجه الشهير :حدائق الشعر. وثانيا فاجأني الدكتور حسن الطريبق ذات لقائين عابرين في العرائش والقصر الكبير بعد أن قرأ نصّي رباب الليل كوني أمزج بين الإيقاع الشعري والإيقاع الموسيقي ضمن نفس القصيدة معتبرا ذلك جِدّة في الكتابة وسبقا جديدا.
وكان وقع الدكتور محمد مفتاح في نفسي ثرِيّاً حافزا حين رافقته إلى الرباط عقب محاضرة له بالنادي المغربي وأسرّ لي أنه لن يتفنن في كتابة الشعر مستقبلا سوى وافد على الشعر من عوالم الفن (الموسيقى بخاصة) سنده في ذلك أن الكون يتأسس على النغم والتنغيم والتوافقات . هي إضاءات جعلتني أبحث أكثر عن أسلوبي الذي يميزني في الكتابة بلغة تروم التحديث من داخل المعجم العربي ودون تقليد للنماذج الجاهزة والتي روّجتها الايديولوجيا في مرحلة ما قبل وبعد انهيار حائط برلين بينما ظل المأمول كتابة أدب انساني وجودي يرقى بالمجتمعات إلى حياة أجمل ويغذي الفكر والوجدان على السواء.
أما عن اللحن فقد كان لقائي، بعد غياب لأزيد من عشرين سنة،بصديق فنان عصامي ابن القصر الكبير عازف على آلة الناي اسمه مصطفى عاني (المعروف بالصحراوي)، إشراقة شرارة لحني الأول :عائد من السراب. ففي حديث سريع صدفةً على رصيف مقهى بشرى بالمدينة حثني هذا الصديق على التلحين اقتناعا منه حسب زعمه بملكاتي الداخلية ومؤهلاتي الثقافية الموسيقية مقارنة مع ملحنين لايشق لهم غبار مغربيا وعربيا.
عندما أسمعت الفنان الراحل محمد الزاوية (المشهور بلقب Sakala) قصيدة عائد من السراب وصفها بالسمفونية وطلب مني أن أرحل عن المدينة بحثا عن موقع بين الفنانين في العاصمة الرباط وعن فرص الإنتشار و التعبير عن الذات وهو ماحصل بالتحاقي موازاة للاشتغال بالمركز الوطني للتقويم والامتحانات والتوجيه مكلفا بمهمات وطنية كخبير. وقد حدث بيني وبين المطرب عبد الهادي بلخياط -عبر وسيط هو عازف الكمان القصري في الجوق الجهوي للدار البيضاء سابقا عبد السلام البناي- اتصال هاتفي بشأن أداء هذه الأغنية رغبة منه في العودة إلى غناء القصيدة الطربية لكن ذلك لم يتأت بعدما توقف هذا المطرب مغيرا وجهته.
ما قراءتك للمشهد الفني الموسيقي بالمغرب؟ وهل الأغنية المغربية بخير؟ أم تراها فقدت هويتها بسبب خلجنتها وأوربتها، إضافة إلى الموجة الأخيرة من تقليد الأغنية الهندية؟
المشهد الفني عموما بخير في التشكيل والسينما.. أما حقل الموسيقى فيعرف نكوسا ومخاضا مؤلما سبّبته موجات الماركتينغ والهرولة وراء الربح السريع والبحث عن الإنتشار بأي وسيلة ممكنة في غياب دعم فعلي شفّافٍ بيِّن الملامحِ من الجهات الحكومية المعنية بالثقافة والإعلام السمعي البصري.فضلا عن انحدار في الذوق العام للمجتمعات العربية بكل فئاتها ساهمت فيه قنوات فضائية ومواقع إلكترونية . وأيضا في غياب دُور إنتاج تغامر للنهوض بالموسيقى وبالأغنية المغربية الهادفة خاصة واعتبار هذا المجال استثمارا مدِرًّا للربح.
نعلم أن إصدار مؤلف ورقي يأخذ الكثير من الوقت والجهد من صاحبه، ويكلفه ماديا ومعنويا، فكيف هو الحال بالنسبة لإنتاج أغنية ؟
إنتاج أغنية (audio حصريا) يتطلب إمكانات مادية تفوق خمس مرات على الأقل ما يتطلبه طبع كتاب فكري أو رواية أو مجموعة شعرية أو قصصية…
أما إبداع أغنية مابين كتابة النص وتلحينه موازاة أو تواليا فتُعبّئه معاناة المبدع وظروفه النفسية ومستواه الفكري والثقافي وذوقه الأدبي وهو كالحلم غير محكوم بزمان أو مكان.. إنها لحظة انبعاث جذوة متصلة أو منفصلة غير متوقعة قد لايتذكر المبدع متى لمعت وكيف حدثت..لكنها عصارة مخاض وهذيان تعس لكن لذيذ..
ماهي المراحل التي تقطعها الأغنية لتخرج إلى الجمهور ؟
المراحل باختصار تتمثل في:
1- إيجاد نص يعالج موضوعا هادفا بلغة وسيطة يفهمها الجمهور العربي بأسره (أنا لا أميل إلى لهجة ثقيلة لايفهمها سوى المغاربة – لكثرة السكون في الكلمة الدارجة- أو نابعة من مرادفات أمثالٍ قديمة) أو بلغة الشعر الفصحى..
2. تلحين ملائم نغما وإيقاعا.
3. توزيع موسيقي موائم من قبل مختص في تناسب الآلات واختيارها والتوافقات الموسيقية أي الهارمونيا harmonie مع تمييز ما هو رقمي بواسطة البرانم logiciel وماهو حي واقعي life..
4 .مرحلة تسجيل العمل باستوديو متخصص والميكساج والماستورينغ.
5. طبع الشريط الغنائي والبحث عن وسيلة ترويجه وبثه إذاعيا أو تلفزيا وهنا الصعوبة التي كثيرا ما تؤول بالفنان إلى النكوص والتوقف.
يلمس الجميع بعض التراجع في مستوى الغناء والأصوات الطربية، مقارنة مع الزمن الجميل، زمن عمالقة الفن ورواده. ما السبب في رأيك؟
التكنولوجيات الحديثة المستخدمة في التسجيل سمحت بتوضيب الأصوات بإدخال تحسينات على التسجيل الصوتي وإخفاء عيوب وهفوات الأداء عن الجمهور ، الذي لا يدرك هذه الخبايا ويتلقى الإبداع جاهزا غير مباشر.
فلم تعد صرامة المعايير كما في الماضي شرطا للغناء… فالتكنولوجيا وجدت حلولا لكل الطبقات الصوتية… ولم يعد جودة الإبداع المعيار الفاعل في نجاح الأغنية بقدر ما حملات الإشهار والترويج والدهاء في بلوغ أكبر نسبة من المتلقين المتفاعلين، يحصل ذلك بفعل انتشار ثقافة رقمية في طور الهيمنة عالميا وتطوير برانم نوعية.
كيف ترى المناهج الموسيقية في المعاهد والمدارس الموسيقية المغربية؟
إنها في المغرب مناهج كلاسيكية أعطت أكلها بتخريج جَيلين على الأقل من الأساتذة والعازفين من الجنسين. يلزم هذه المناهج مراجعة وتطوير لتيسير دراسة الصولفيج وتأهيل الطلبة لنهل قواعد الكتابة الموسيقية والتدوين في مدد أقل من الآن.. فحصول المتلقي على شهادة prix صولفيج يستغرق 9سنوات وهذا كثير. ولعل استعمال التكنولوجيات الحديثة في التدريس وتأهيل مدرسي الموسيقى من خلل تكوين أساسي ومستمر سيمكّن من حل هذه المسألة… علما أن هذه المعاهد تعرض لحد الآن تكوينا موسيقيا ولا تسعى إلى اكتشاف أو رعاية مواهب موسيقية أو مبدعة.
هل هناك سبل للنهوض بالموسيقى المغربية والعربية على حد سواء؟
نعم. بالإرادة السياسية التي ينبغي أن ترى في الثقافة الفنية عموما والموسيقية خصوصا وتربية وتكوين رأس مال بشري مورداً منتجا لثروة حقيقية ولمجتمع قادر على التكيف ومقتضيات التمدن والحضارة وحل مشكلات المستقبل. فبالموسيقى والفنون تربى الأذواق وتعالج الأدواء وترقى الشعوب. لا مستقبل لشعب دون ثقافة وفنون.
موجة الفيديو كليب، هل أثرت سلبا على الأغاني الهادفة؟
لاأعتقد… فكل عمل إبداعي يمكن أداؤه بالفيديو كليب. لكن إتقان إخراج العمل باعث على تقييمه بما يمرر من قيم ورسائل إيجابية هادفة أو سلبية مدمرة.. وهنا مبغى رقابة فعلية عادلة للإرتقاء بالذوق العام إن أريدَ للإعلام دور فاعل مواطن.
ماهي الآلة الموسيقية المحببة إليك ؟ و هل تعزف على إحداها؟
كل آلة موسيقية لها نكهتها وطعمها المميِّز… أميل إلى عشق آلة الشيلو Cello.وأحاول ان أعزف ألحاني على آلة العود وأهتم بدراسته.
لمن لحنت لحدود الساعة؟
لحنت شُفت فيا و أداها محمد الغرنيطي من سلا…
شنو للي صار عن البيئة سجّلتها بصوتي.. وأنا رهن إشارة كل صوت جميل يصبو إلى أداء الأغنية المغربية العصرية الهادفة و الراقية، لا أي شيء كما هي هجونة هذه الموجة الزائلة قريبا التي ليس فيها شعر ولا لحن جميل فقط جمل قصيرة مكرورة بإيقاع صاخب أحياناً دون هدف نبيل.
من هو المبدع الذي حرك شاعريتك وتراه قدوتك في الموسيقى والألحان؟
ليس هناك مبدع واحد. هم كثير. أصغي لكل لون جميل وأقرأ مايناسب اهتماماتي وحاجاتي المعرفية من مجالات وتخصصات عديدة إذ تربت معي نزعة نسقية للنظر إلى المنتجات الأدبية والفكرية والإعلامية والفنية.
تأثرت بألحان عامر ورياض السنباطي ومحمد القصبجي وبليغ حمدي وروائع الموسيقى العالمية السمفونية وبأريج الأغنية المغربية التي أبدعها نخبة من خيرة الملحنين من قبيل عبد القادر الراشدي ، محمد بن عبد السلام ،عبد النبي الجراري ،عبد الرحيم السقاط ،احمد البيضاوي ،عبد الوهاب الدكالي،ومن مصر ولبنان تأثرت بأصوات عبد الحليم حافظ ومحرم فؤاد وفيروز واسمهان.
محمد السرغيني مفتش تربوي قبل أن يكون شاعرا وملحنا، ما هو القاسم المشترك بين التربية والشعر واللحن الموسيقي والغناء؟
القاسم المشترك هو بناء الإنسان الحضاري السّوي والمشبع محبةً للخير والجمال ، والمحافظ على توازن البيئة والمتمثل لقيم التسامح والتواصل المجدي إزاء مشكلات الحياة والذي يرى الأشياء والحوادث بعقله وقلبه.
ما رأيك في ألحان عبد السلام عامر؟
الراحل الموسيقار عبد السلام عامر ظاهرة إبداعية فريدة قد لا تتكرر .وفي رأيي أموضعه في قمة هرم مبدعي المدينة إلى حد الآن سواء في التشكيل أو الشعر أو الرواية أو القصة أو المسرح. طبعا لا أُدخل في هذا التفييئ من يكتبون مقالات أدبية أو غيرها أو كتبا حتى باعتبار ذلك عملا فكريا أكاديميا لايتطلب موهبة لتحقيق الإبداع بل انعكافا على البحث والدراسة في سياق مشروع يندرج في أحد مجالات البحث العلمي.
عامر تمكن في عمر لم يتجاوز أربعين سنة من إثراء الخزانة الموسيقية المغربية والعربية بكنز موسيقي نادر ثمين قل نظيره .وقد تميز في تلحين القصيدة الفصحى أساسا. وكان مثقفا يعرف أي أبيات ينتقي ليلبسها لحناً جميلاً حدّ الغرابة أحياناً.
انطلاقا من اوبيريت ” وطني الغالي”، إلى أي حد نجحت الأغنية الوطنية في تربية الحس الوطني لدى الناشئة؟
أوبريت وطني الغالي – وليس ملحمة كما يُتداول خطأ – كتبها الشعراء الطيب المحمدي ومحمد عفيف العرائشي ومحمد السرغيني. وأخذت مني وقتا وجهدا في التلحين وأنتظر دعما من أي جهة مواطِنة لإخراجها إلى الجمهور العريض.
الأغنية الوطنية إذا نبعت من صدق وعمق ومحبة تؤثر وتسهم مباشرة في الإرتقاء بالحس الوطني وترسيخ قيم الهوية المغربية والمواطَنة لدى الناشئة.
حدثنا عن ديوانك الشعري ” رباب الليل ” ؟
مجموعتي الشعرية رباب الليل تتألف من ثلاث وأربعين قصيدة كتبتها على فترات ولم يتأت لي طبعها حتى أبريل 2016 وحظيت بتوقيعات ودراسات نقدية في سبع مدن مغربية هي الرباط والدار البيضاء وسلا والقنيطرة وسيدي قاسم وسيدي سليمان والقصر الكبير.تنوعت موضوعاتها بحسب ما اختمر في وجداني من نبيذ بطعم لذيذ أحياناً ومرٍّ في أخرى بلغة فصحى تمتح من المعجم العربي ومن الطبيعة ومفرداتها وكائناتها وخبايا الذات في تفاعلها مع الآخر الراقي الجميل أو النرجسي المتهور. ويمتزج فيها الواقع المعيش بالخيال الدافق والحلم.
من بين نصوصها قصائد ملحنة كقصيدة حروف ورباب الليل وبعد السراب. وقد رسم لوحة الغلاف الفنان القصري حسن البراق برؤية فنية مدروسة بيني وبينه ورقنتُ نصوصها وأخرجتها فنيا بنفسي لأجعل المتلقي يقرؤها وفق ماأرومه دون إدراج علامات ترقيم.ماعدا قصيدتين عموديتين كتبت باقي القصائد متأثرا بتكويني العلمي والموسيقي في نسج إيقاعاتها وصورها برمزية مهيمنة يصفها البعض بايغال في الإبهام لكنني أجد لهم عذرا في كون نصوصي يستعصي تمثّلها إن كان تكوين المتلقي أحاديا مسترفَداً من الآداب فقط دون حد أدنى من الثقافة العلمية.
فالتخييل يتفتق ويشسع بامتلاك فكر علمي .فمثلا لن يبدع قصيدة في موضوع البيئة واختلالاتها شاعر ليس له تكوين متين في علم البيئة écologie مهما امتلك لغةو أسلوبا وأدوات الكتابة الشعرية.
ما هي المواضيع التي تناقشها في أعمالك الفنية؟ وماذا تقول في شريطك الغنائي ( شنو اللي صار )؟
كتبت نصوصا غنائية عن الحب والغربة والوطن والبيئة والإنسان والطبيعة والسِّلم والجمال. شنو اللي صار أغنية كتبتها بلغة وسطى لتمكين المواطن العربي من فهم رسائلها بسهولة. وهي تعالج كل الاختلالات البيئية التي يشهدها كوكب الأرض وآثارها على المجال والإنسان بحيث لا توجد ظاهرة بيئية تم إغفالها، ووضعت لحنها على مقام Si bémol majeur الخالي من ربع البُعد موسيقيا مايسمح بعزفها بكافة الآلات الشرقية والغربية وكأن نزعتي الكونية طفت حتى على مستوى اللحن.
وقد أبدع الموزع الموسيقي الكبير الأستاذ محمد عمار في إضفاء لمسة جمالية على هذا المنتج الفني الفريد من نوعه سبقاً وتم تسجيله مابين الرباط والدار البيضاء وإنجاز الماستورينغ في باريس.أما العزف الحي فكان بواسطة ثلة من أمهر عازفي الجوق الملكي السمفوني والدرك الملكي بما فيه فرقة الكورال…
آمل أن تحظى هذه الأغنية بالعناية المتوخاة لما تحمل من رسائل تربوية وانسانية في ظل الجهود للحد من الاحتباس الحراري وتلوث الأوساط الطبيعية.
هل من مشاريع مستقبلية قادمة ؟
هناك مجموعة من الأغاني زهاء 14قطعةموسيقية غنائية جاهزة للتسجيل في مقدمتها قصيدة بالفصحى موسومة بليليانا liliana وأغنية وطنية بعنوان نورس .كما أسعى إلى تشجيع شباب القصر الكبير إذ سجلت أغنية مغربية زجلية عكف على توزيعها الشاب مروان الشماخ عازف الأرغن تحمل عنوان :وش قلبي لعبة فيديه.
كما أرنو إلى تسجيل فيديو كليب لأغنية شنولّلي صار عن البيئة حتى تحقق أهدافها التربوية سيما وأن مؤسسة تعليمية ابتدائية(مدرسة للارقية في سلا) وثانوية إعدادية(الوفاء في العرائش) وظفتا هذا النص في عمل مسرحي تربوي بمناسبة اليوم العالمي للبيئة تفاعل التلاميذ والتلميذات مع محتواه بإقبال مثير لافت.
كلمتك الختامية ؟
أتمنى أن أكون أضأت جوانب من ملمحي الفني والأدبي شافيا ما كان منتظرا مني بالإجابة عن أسئلتك.أشكرك الإعلامية الرقيقة أسماء التمالح على عبق الإستضافة وأثمن هذه المبادرة النبيلة التي تسلط الضوء على زوايا الظل في تجربة مبدعي المدينة ومنتجاتهم متمنياً لمدونة أسماء التمالح كل التألق المأمول، والنجاح المستديم في مسيرك الإعلامي الموفق. تحياتي إلى مبدعي مدينة القصر الكبير في كل المجالات الفنية والأدبية. شكرا لك .
2 Comments
محمد السرغيني
شكرا للإعلامية أسماء التمالح على هذه الاستضافة المميزة. ومزيدا من الألق لمدونتها الهادفة الرصينة.
أسماء التمالح
الشكر لكم أستاذي الكريم، سعدت بهذه المحاورة الطيبة معكم. مع متمنياتي لكم بالمزيد من العطاء والنجاح.