حث الإسلام على كرم الضيافة، ولم يميز في الأمر بين الجنسين، إذ جعل الحق في الضيافة مكفولا للمرأة والرجل على حد سواء، ولم يقل أن إكرام الضيف خاص بالرجل مستثنيا المرأة، كما تروج لذلك بعض المجتمعات في اجتهاد منها، وفي محاولة لإسقاط هذا الحق عن المرأة، ومن ثم إلزامها حيثما حلت وارتحلت أن تشمر عن ساعديها، وتشارك في أعباء المنزل الذي تحل به ضيفة، من منطلق أن المرأة لا ” تُضيّف”.
الغريب هو أن النسوة اللواتي يقلن بهذا المعطى، يتنزهن بأنفسهن عن الانخراط فيه، وكأن لفظ المرأة لايشملهن أيضا، فيترفعن عن أن يشاركن في المتطلبات المنزلية عند الضيافة، وينزوين في مكان، منتظرات من يخدمهن من الألف إلى الياء لكونهن ضيفات، هذا إذا لم يشترطن على المستضيفة ومن حولها نوعية الطعام المحبب لهن، وينتقدنها من بعد، في طريقة إعداده وتقديمه، مثلما ينتقدن أشكال الصحون والأطباق والكؤوس وماجاورها، فيما إذا كانت تساير الموضة أم لا.
إن استغلال وانتهازية المرأة لأختها المرأة في موضوع الضيافة أمر مخجل وغير سليم، إذ ماذا يعني انكباب امرأة – سيدة بيت – على تحضير وتهييء كل مستلزمات الضيافة بمفردها أو بمساعدة غيرها، وفي وقت طويل لم تذق فيه طعم الراحة، حرصا على إكرام ضيوفها فرادى وجماعات، وإدخال الفرحة والسرور إلى قلوبهم، بينما هي في الوقت ذاته، مطالبة إن ردت الزيارة، بالخضوع لمبدأ المرأة لا ” تُضيّف “؟؟.
وماذا يعني أن تمنح امرأة رخصة مجانية تفيد بعدم الوفاء بآداب الزيارة والضيافة، في حين تُحمّل أخرى وزر عدم القيام بالواجب، وتنعت بأبشع النعوت، من قبيل أنها قليلة الأصل والأدب، وعديمة الذوق وحسن الإستقبال؟
أو ليس هذه وتلك تندرجان تحت لواء واحد هو المرأة؟ أم أن سلطة القهر ملازمة للأولى ومرفوعة عن الثانية لاعتبارات، منها أن الأولى طيبة ذات عزة نفس وأنفة يسهل معها استخدام لغة الإذعان، والأخرى ماكرة خبيثة تتقن فن التملص من المسؤوليات ؟
تنصب آثار المعضلة على ما تشهده بعض البيوت كذلك، حين يتصيد الأخ أخطاء أخواته البنات في حسن تدبير شؤون البيت، فيشكو أمرهن للأم بغرض العقاب، حتى إذا ماصارت لديه زوجة، نأى عن الأمر ولم يطالبها بما كان يطالب به أخواته البنات زمن العزوبية، وربما ترك لزوجته حرية حسن وحفاوة استقبال أهله من عدمه في بيته الزوجي، مؤاخذا على أهله عدم العناية بزوجته والاهتمام بها عند الزيارة، ولعله مظهر آخر من مظاهر التفضيل بين المرأة، وهي في الحقيقة كل لايتجزأ.
قد يبدو الموضوع سخيفا، ولعله كذلك بالفعل، بالنظر إلى تبعاته والآثار النفسية المترتبة عنه، إذ ليس هناك امرأة تكرم بالضيافة وأخرى لا، وليس هناك امرأة نجبرها بطريقة أو بأخرى على أن تتعب وتكابد المشاق من أجل خدمة وإسعاد غيرها ممن لا يعيرون لتعبها قيمة واعتبارا، بيد أننا نبتلع ألسننا، خوفا أو ضعفا أو مجاملة، في حضور امرأة تتدلل، وتتفنن في أن تظهر بمظهر الملكة أمام أخواتها في النوع.