لم تكن زيارتي الأولى للعاصمة الرباط، ولن تكون الأخيرة اذا في العمر بقية ان شاء الله، بينما أنا وأسرتي نغادر الرباط في اتجاه مدينة القصر الكبير، أشار الينا أحد المسؤولين السككيين بمحطة القطار ” أكدال” بالتوجه الى السكة رقم “3″ وانتظار قدوم القطار الذي سيقلنا الى القصر الكبير .
كان لابد من عبور النفق لبلوغ السكة رقم ثلاثة، بدأت أقدامنا تمشي خطوات نحو النفق، استحضر كل فرد منا صورة النفق بمدينة القصر الكبير، حملق الجميع في المكان وشرع يبحث عن نقاط التلاقي التي تجمع بين النفق الذي نحن بداخله وذاك الموجود بمدينة القصر الكبير، تبادلنا النظرات وقرأ كل منا ما بعين الآخر من خيبة الأمل، ابتسمنا في أوجه بعضنا البعض، وصاح أخي:
– لا علاقة .
ضحكت أختي الصغيرة وقالت:
– أتبحثون عن أوجه التشابه بين هذا النفق وذاك بالقصر الكبير ؟؟ يستحسن اكمال طريقكم وأنتم صامتون .
تنهد أخي الآخر وقال:
– يا للأسف ..
نظرت الى والدتي فوجدتها تبتسم من تهكمات أبنائها المستائين من حال مدينتهم، كانت ابتسامتها ممزوجة بحزن، استشعرت ما بداخلها، وقلت :
– حقا الفرق شاسع جدا بين نفق مدينتنا وهذا النفق، فالمكان نظيف، والتهوية جيدة، والانارة متوفرة، والشعور بالكينونة البشرية أيضا حاضر، على خلاف ما هو موجود بنفق ” المرينة” بالقصر الكبير، الذي يشعر العابر منه وكأنه يعبر مصرفا من مصارف المياه، حيث الروائح الكريهة، والمياه تغمر المكان من كل جانب، والظلام دامس، والفوضى تنشر خيوطها …
قاطعني السيد الوالد:
– أصحاب الدراجات العادية والنارية، والراجلون، وأصحاب الكراريس، كل مجبر على عبور النفق جنبا الى جنب، ولا يحترم هذا مرور ذاك، مما ييسر عمليات السرقة ونشاط الاجرام بالمكان .
رافقتنا صورة النفقين المتناقضة الى آخر درج تسلقناه في السلم الأرضي، اتفقت أقدامنا أن توقع آخر خطوة بالنفق بحروف تختزل آهاتنا، جمعتها كلمة : لماذا ؟؟
لماذا كتب على القصر الكبير أن تعيش مهانة بين المدن؟؟
لماذا وضعت هذه المدينة على الهامش بعيدا عن كل المخططات التنموية التي تستفيد منها جل المدن؟؟
لماذا كل هذا الغبن في حقها؟؟
لماذا تركها مهملة وقد انبثقت الحضارة من أراضيها ؟؟