لما كان لزاما على المدونين اختيار عناوين وأسماء لمدوناتهم تميزهم عن غيرهم – قبل أزيد من عشر سنوات من الآن – وقع اختياري على إسم ” القلم البريء”. لم يكن اختيارا عبثيا، إنما نبع من إيمان راسخ لدي بمبدأ البراءة، وهي الفطرة التي فطر عليها بنو البشر، والانطلاقة الحقيقية لكل إنسان قبل أن يكتسب معارف جديدة وينسلخ من جلدته، ومن البراءة أيضا تبرئة الذمة أمام رب العالمين، والبراءة من إتيان أي سلوك مشين من شأنه أن يسيء للنفس أو يلحق الأذى بالآخرين اعتبارا للرسالة السامية الموكولة لفن الكتابة.
انكببت على صفحات ” مدونة القلم البريء للمقالات الإجتماعية” التي رأت النور على الإنترنيت في فبراير عام 2009 على الإهتمام بقضايا المجتمع والظواهر الإجتماعية المنتشرة في أوساطه، لم يكن ميلاد مواضيعي الإجتماعية متزامنا مع ميلاد المدونة الإلكترونية، بل سبقها بسنوات عدة، فالقلم البريء كان يكتب ويخط سطوره من قبل أن تكون هناك مدونة، والمجال الإجتماعي كان محط اهتمامه من البداية، فكان ينتقد، ويوصي، ويدق ناقوس الخطر ويصرخ في سبيل حياة إجتماعية مستقرة يسودها الأمن والأمان، وتبتعد ما أمكن عما يعكر صفو مزاجها ويقودها إلى الهلاك.
بعد سنة كاملة من العمل المثمر والتواصل الهادف مع القراء والمتابعين، بدأت ترد علي شكاوى من بطء تصفح المدونة وصعوبة قراءة المحتوى عليها بسبب مشاكل كانت خارجة عن الإرادة، متعلقة أساسا بالجانب التقني وبضيق المساحة التي لم تكن تسمح بوفرة المواد، الشيء الذي سبب ضغطا كبيرا عليها وكان وراء عدم تيسر التصفح للقراء، سيما أني كنت مواظبة وقتها على الكتابة والنشر بشكل مكثف.
كان جلب مدونة بمساحة أوسع تستوعب كل المواد للنشر أمرا حتميا للخروج من المشكلة، وهو ما هيأ لميلاد مدونة جديدة بمقومات جيدة وخصائص متميزة انتقلت بي من مجانية التدوين على البلوك سبوت إلى التدوين المدفوع عبر منصة الووردبريس.
كان ميلاد أول مدونة مدفوعة لي – حسب ما تحتفظ به ذاكرتي التي أتمنى أن لا تكون قد خانتني – هو أكتوبر من عام 2010، حيث نقلت بعضا من الزاد الذي جادت به قريحتي من المدونة السابقة إلى المدونة الجديدة من باب إعلان الافتتاح، واحتفظت بالكم الأكبر من المنشورات على الأولى على أمل أن أطور من أدائي وأجدد فيه خصوصا وأني كنت أستقبل الكثير من الاقتراحات المفيدة التي كانت تصب في اتجاه تطوير المدونة بالفعل وإلباسها حلة جديدة ليس من حيث الشكل فقط إنما من حيث المضمون أيضا.
أهم اقتراح قدم لي هو تغيير إسم المدونة من ” مدونة القلم البريء للمقالات الإجتماعية ” إلى اسم جديد يرتبط باسمي الكامل، تهربت من مناقشة هذا الاقتراح أول الأمر لأنني في قرارة نفسي كنت أرغب في الحفاظ على الإسم الأول، غير أن من اقترح علي المسألة كان حريصا في أن يحصل على جواب مني في وقت محدد، مقنعا إياي بأن حضور المرأة في شتى المجالات بات شبئا مطلوبا في الساحة العامة، وأن عدد النساء المدونات في المغرب ضعيف جدا مقارنة مع المدونين الرجال، وبالتالي لابد من إثبات حضوري إسما وعملا.
لم يكن رفضي المبدئي هذا الأول من نوعه، بل سبقه آخر تمثل في استدعائي لحضور مؤتمر المدونين المغاربة الذي انعقد في أبريل عام 2009 بالرباط، حيث كنت أبلغت المسؤول حينها بعدم حضوري وبأني أرغب في الاشتغال خلف الشاشة لأني أعشق العمل في الظل ويريحتي أكثر، إلا أن المسؤول نفسه أصر على حضوري وأقنعني بوجوبه وضرورته، من منطلق النقطة ذاتها وهي ضعف تمثيلية المرأة للمجال على أرض الواقع، وهو ما لمسته بالفعل عند قبول الحضور بعد عملية الإقناع، حيث بحثت عن امرأة مدونة في مدينتي لنسافر سويا إلى العاصمة ونلبي دعوة المؤتمر فلم أجد، وحتى عند دخولي قاعة المؤتمر كان عدد المدونات النساء قليلا جدا ومحتشما.
فكرت مليا في موضوع تغيير إسم المدونة وإلحاقها باسمي، لا أدري لمَ كنت مذعورة ومترددة، ولمَ كنت غير متحمسة كحماسي الأول إبان أول ظهور، ربما حجم المسؤولية وتبعاتها الذي سيتضاعف ويكبر كان هو السبب، أو ربما الخوف من الشهرة والأضواء وأنا التي قرأت كثيرا عن المشاهير ونهاياتهم المأساوية…
درءا للحيرة التي وقعت فيها، ناقشت المسألة مع بعض المقربين، لم ألق منهم إلا التشجيع، غير أني ظللت غير مستقرة في اتخاذ قراري الأخير، جالست نفسي وحدثتها وأخبرتها أنني أمام خيار أصعب من سابقه، فهل أنا جاهزة ومستعدة لرفع لقب ” التمالح” وتشريفه بين الخلق أم أني سأهوي به إلى القاع؟ الطريق لن يكون مفروشا لي بالورود، وعلى الصمود وقوة التحمل لأحقق المبتغى بمسؤولية وضمير.
وافقت على تغيير إسم المدونة إلى إسم ” مدونة أسماء التمالح” في حلتها الجديدة، كان نضجي الفكري كفيلا بأن يقودني لهذه النتيجة، وبفضل الله عز وجل ومن بعده بفضل دعاء الوالدين ودعم الغيورين بكثير من الاقتراحات وتشجيع القراء والمتصفحين تنوعت مواضيع المدونة وانفتحت على مجالات ثقافية وفنية وغيرها، وها هي ذي تواصل طريقها بحب وجد وإخلاص، رافعة شعار: ” قل كلمتك وامش”.