أصبح ” الصاحب ” مدعاة للفخر في صفوف بعض البنات، وأمرا ضروريا لا يمكن الاستغناء عنه في حياتهن بدعوى التحضر والتقدم، و” الصاحب ” المقصود في محور موضوعنا، هو ذاك الشخص الذي يشارك البنت خلوتها، ورفقتها إلى أماكن متعددة لممارسة ما لا يليق من أمور، خفية من العائلة، وهروبا من التبعات، ودون وجود ما يوثق العلاقة بينهما، أو يكسبها صبغة مشروعة، أو يضفي عليها طابعا قانونيا رسميا.
الأمر بالنسبة لهن عادي جدا، وتغيير الصاحب بين الفترة والأخرى لامشكلة فيه، وحتى تعدد الأصحاب في الوقت الواحد يعتبرونه طبيعيا، بل هو دليل على القبول الذي تحظى به البنت، مما يرضي غرورها ويشكل لديها عاملا تتبجح به أمام غيرها من البنات، لدرجة أنه يصير هاجسا يسكنها بقوة، حتى إذا ما التقت ببنات قد يكون لأول مرة تلتقي بهن، أو ربما لا يجمع بينها وبينهن علاقة وطيدة تستدعي اندفاعها، ورغم ذلك تكون مبادرة بالسؤال عن الصاحب الذكر، ومدى العلاقات المفتوحة، وإن كان الجواب بالايجاب، وجدت – البنت السائلة – متعة كبيرة ولذة لا حدود لها في الحديث، حيث تطلق العنان للابحار في عوالم الخيال الفضفاض، تحكي عن مغامراتها المتنوعة، الواقعية منها والمتخيلة، في مبالغة شديدة وإيحاء بأنها الأميرة التي تطلب الطوابير رضاها، وتنتظر إشارة من أصبعها في تهافت.
أما إن كان الجواب سلبيا، بمعنى أن المخاطبات لسن من هواة اتخاذ الأصحاب وقضاء المآرب بعيدا عن المشروع، لما للمسألة من تأثيرات غير مرغوب فيها تنصب على حاضر البنت وتمتد الى مستقبلها القادم، فإن البنت ذات الصاحب تقبح فيهن، وترميهن بكلمات تتعمد فيها إهانتهن وتحقيرهن، كأن تصفهن بالمهمشات اللواتي لا يلتفت لهن أحد، أو تنعتهن بالمعقدات، مظهرة تفوقها المصطنع الذي انبثق من مخيلة فقيرة تعاني ما تعانيه.
بطبيعة الحال، إن اتخاذ الصاحب ليس مقياسا لأي تفوق، وليس رمزا لأي جاذبية أو قبول ومحبة أو حسن وجمال كما يعتقد مثل هؤلاء البنات، انه استرخاص للنفس وإهانة للكرامة الأنثوية، هذه الأخيرة التي لا يغدو لها اعتبار عندما تتحول البنت إلى لعبة تتقاذفها الأيدي، وإلى دمية يستمتع بها القاصي والداني متى مل وسئم تخلص منها بأسهل الطرق، وقد كسبت شهرة بين الذكور بالوضاعة، فتحاشاها جلهم، وقصدها آخرون تمريرا للوقت ورغبة في التسلية لا غير .
إن الفراغ العاطفي والكبت الجنسي لدى البنات لا يحل عقدته صاحب أو اثنين أو ثلاث أو أربع، وإن الاستسلام للتحرر المبالغ فيه يؤذي البنات أكثر ما يخدمهن، لكونهن يبحثن عن أنفسهن في نهاية الطريق فلا يجدنها، فيقفن على حطام ذكريات تسقيهن مرارا، وتزيدهن انكسارا، فيتمنين لو أن الحياة تعود بهن إلى الوراء، ليصلحن ما أفسده تفكيرهن العقيم، الذي لم يكن يشغله سوى الصاحب.
إذا كان بعض البنات نجحن في تحويل ” الصاحب” إلى مشروع زوج المستقبل، فإن المسألة لا تعدو أن تكون نصيبا أو ضربة حظ ، وليست قاعدة يلزم اتباعها من طرف عموم البنات كوسيلة لتأسيس حياة أسرية مستقرة، حيث أن الاستقرار له ضوابطه الخاصة وأسسه القويمة التي يعلم بها الجميع، بينما ” الصاحب” يظل مجهولا في عموم الحالات حتى من طرف أقرب المقربين للبنات، ولعل ذلك راجع لوجوده الخاطىء في حياة البنت.
إن لجوء البنات إلى المصاحبة بدعوى تجربة أنفسهن جنسيا، كي يتقين شر مشاكل زوجية جنسية مستقبلية كما يدعين، فيه خطر كبير على هذا المستقبل الذي يتظاهرن بالتخطيط له، حيث أن مثل هذه الخطوة كثيرا ما تخلص بهن إلى حوامل في وضع غير قانوني، ومن ثم إلى أمهات عازبات، أو مجهضات، ثم مزورات ومزيفات لحقائق يبغين بها تصحيح الغلط الحاصل.
كما أن تباهي البنات بالمصاحبة أمام غيرهن، فيه قصور فكري كبير، فالبنت ليست شكلا جميلا ومظهرا أنيقا وحسب، إنما خلقا وثباتا ورزانة وتعقلا أيضا، وهو ما يغيب عن فكر الكثيرات، فيتقوقعن في دائرة ” الصاحب” وطرق جذبه سطحيا دون الجوهر.
قد تشكل ” المصاحبة” لدى صنف من البنات ملاذا للفرار من المشاكل العائلية، فتكون متنفسا حقيقيا لهن، وهن يلقين بهمومهن في حضن الصاحب، وقد وجدن فيه الدفء والحنان الذي يفتقدنه بداخل أسرهن، غير أنهن في ذات الوقت، يكن يسهلن الطريق لهذا الصاحب لاستغلال نقط ضعفهن، واللعب بمشاعرهن تحت غطاء مساعدتهن وانتشالهن مما هن فيه من هموم.
البنات والصاحب.. قضية تحتاج إلى مراجعة وتقييم قبل الإقدام عليها، لمخاطرها وأضرارها الأكثر من فوائدها ومنافعها، فالصاحب يركض خلف البنات لإشباع غرائزه ثم الانصراف، ومن يريد خيرا بالبنات يدخل البيوت من أبوابها، ولا يلف بهن الطرقات تحت أضواء خافتة، يسرق ما ليس من حقه ثم يودعهن وداعا أبديا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا”.